ولما كان ختام جوابهم أشده ، بدأ في جوابه برده مبيناً لضلالاتهم{[39147]} مغضياً عن شناعاتهم شفقة عليهم ومحبة لنجاتهم ، فقال تعالى حكاية عنه : { قال يا قوم } وشرع يكرر هذه اللفظة كل قليل تذكيراً لهم أنه منهم لتعطفهم الأرحام وتردهم القرابات عن حسد أو اتهامه إلى قبول ما يلقي إليهم من الكلام ، وأشار بأداة البعد - مع قربهم - إلى مباعدتهم فيما يقتضي غاية القرب { أرأيتم } أي أخبروني { إن كنت } على سبيل الفرض منكم والتقدير { على بينة } أي برهان ساطع ، وزاد ترغيباً فيه بقوله : { من ربي } أي الذي أوجدني وأحسن إليّ بالرسالة وغيرها يشهد بصحة دعواي{[39148]} شهادة{[39149]} لا يتطرق إليها عند المنصف شبهة فكيف بالظن ! { وآتاني } فضلاً منه عليّ لا لمعنى فيّ أزيد عليكم به ، بل { رحمة } أي إكراماً بالرسالة بعد النبوة ، وعظمها بقوله : { من عنده } فيها فضل عظيم النور واضح الظهور .
ولما كانت{[39150]} البينة من الرحمة ، وحد الضمير فقال : { فعميت } أي فتسبب عن تخصيصي بها أن أظلمت ، ووقع ظلامها { عليكم } أي فعميتم أنتم عنها لضعف عقولكم ولم يقع عليكم شيء من نورها ، وذلك أن الدليل إذا كان{[39151]} أعمى عاد ضرره على التابع بالحيرة والضلال ، وهو معنى قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالبناء للمفعول مشددة { أنلزمكموها } وقوله : { وأنتم لها كارهون } مع تسميته لها بينة - إشارة إلى أنها لم تعم ولا خفيت عليهم لقوة نورها وشدة ظهورها ، وإنما هم معاندون في نفيهم لفضله وفضل من تبعه ، والتعبير عن ذلك بالجملة الاسمية واسم الفاعل إشارة إلى أن أفعالهم أفعال من كراهته لها ثابتة مستحكمة ، وكأنه لم يكن مأموراً بالقتال كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم في أول الأمر ، والآية ناظرة إلى قوله تعالى :{ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }{[39152]}[ يونس : 99 ] ويجوز أن يكون ذلك كناية عن أنهم معاندون مع قطع النظر عن الجهاد وغيره فإن الأنبياء عليهم السلام مأمورون بالمجادلة للمعاندين إلى أن يلزموهم الحجة ، وهي لا تفيد إلا الإلزام في الظاهر مع الإنكار والكراهة في الباطن ، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة للكاملين ، وبالموعظة والخطابة للمنافقين الذين لا يعاندون ويحسنون الظن في الداعي ، فيكون{[39153]} المعنى أن البينة لم تنفعكم{[39154]} لشكاسة واعوجاج في طباعكم ، فلم يبق إلا الموعظة وهي لا تفيد إلا{[39155]} مع حسن الظن ، وأما مع الكراهة فلا ينفعكم النصح ، فلا فائدة في المجادلة إلا الإلزام ، وهو مع الكراهة غير نافع لكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.