بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

{ أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ السماء فِيهِ ظلمات } يعني كمطر نزل من السماء فضرب لهم الله تعالى مثلاً آخر ، لأن العرب كانوا يوضحون الكلام بذكر الأمثال ، فالله ضرب لهم الأمثال ليوضح عليهم الحجة ، فضرب لهم مثلاً بالمستوقد النار ، ثم ضرب لهم مثلاً آخر بالمطر . فإن قيل كلمة { أو } إنما تستعمل للشك فما معنى { أَوْ } ها هنا ، فقيل له : { أو } قد تكون للتخيير ، فكأنه قال : إن شئتم فاضربوا لهم مثلاً بالمستوقد النار ، وإن شئتم فاضربوا لهم المثل بالمطر ، فأنتم مصيبون في ضرب المثل في الوجهين جميعاً . وهذا كما قال في آية أخرى : { أَوْ كظلمات فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ يغشاه مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظلمات بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] فكذلك ها هنا { أو } للتخيير لا للشك . وقد قيل : { أو } بمعنى الواو يعني ، وكصيب من السماء ، معناه : مثلهم كرجل في مفازة في ليلة مظلمة فنزل مطر من السماء ، وفي المطر ظلمات { وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } ؛ والمطر : هو القرآن ، لأن في المطر حياة الخلق وإصلاح الأرض ، وكذلك القرآن حياة القلوب ، فيه هدى للناس ، وبيان من الضلالة وإصلاح ، فلهذا المعنى شبه القرآن بالمطر . والظلمات : هي الشدائد والمحن التي تصيب المسلمين ، والشبهات التي في القرآن ، والرعد : هو الوعيد الذي ذكر للمنافقين والكفار في القرآن ، والبرق : ما ظهر من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودلائله .

قوله تعالى : { وَيَجْعَلُونَ أصابعهم في آذانهم من الصواعق } ، أي يتصاممون عن سماع الحق { حَذَرَ الموت } أي لحذر الموت ، إنما نصب لنزع الخافض ، مثل قوله { واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لميقاتنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرجفة قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وإياى أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِى مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الغافرين } ، [ الأعراف : 155 ] أي من قومه ، فكذلك هاهنا { حَذَرَ الموت } ، أي لحذر الموت ومعناه : مخافة أن ينزل في القرآن شيء يظهر حالهم ، كما قال في آية أخرى { وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصرفوا صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون } [ التوبة : 127 ] قال بعضهم : في الآية مضمر ، ومعناها يجعلون أصابعهم في آذانهم من الرعد ، ويغمضون أعينهم من الصواعق . وقال أهل اللغة : الصاعقة صوت ينزل من السماء فيه نار ، فمن قال بهذا القول لا يحتاج إلى الإضمار في الآية : يجعلون أصابعهم في آذانهم من خوف الصاعقة { والله مُحِيطٌ بالكافرين } أي عالم بأعمالهم . والإحاطة : هي إدراك الشيء بكماله .