بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ} (17)

قوله تعالى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذى استوقد نَاراً } ، روى معاوية بن طلح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية في شأن اليهود الذين هم حوالي المدينة ، فقال : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذى استوقد نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ } يعني كمثل من كان في المفازة في الليلة المظلمة وهو يخاف السباع ، فأوقد ناراً فأمن بها من السباع ، { فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذهب الله بنورهم } طفئت ناره وبقي في الظلمة ، كذلك اليهود الذين كانوا حوالي المدينة كانوا يقرون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج ، وكانوا إذا حاربوا أعداءهم من المشركين يستنصرون باسمه فيقولون بحق نبيك أن تنصرنا ، فلما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة ، حسدوه وكذبوه وكفروا به فطفئت نارهم وبقوا في ظلمات الكفر .

وقال مقاتل : نزلت في المنافقين ، يقول : مثل المنافق مع النبي صلى الله عليه وسلم كمثل رجل في مفازة فأوقد ناراً فأمن بها على نفسه واهله وعياله وماله ، فكذلك المنافق يتكلم بلا إله إلا الله مرآة الناس ، ليأمن بها على نفسه وأهله وعياله وماله ويناكح مع المسلمين ، وكان له نور بمنزلة المستوقد النار يمشي في ضوءها ما دامت ناره تتقد ، فلما أضاءت النار أبصر ما حوله بنورها وذهب نورها فبقي في ظلمة .

قوله تعالى : { ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } أي يذهب الله بنور الإيمان الذي يتكلم به ، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ } الهدى ، فكذلك المنافق إذا بلغ آخر عمره بقي في ظلمة كفره . وهكذا فسّره قتادة والقتبي وغيرهما .