بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

قوله تعالى :

{ وَإِنِ امرأة خافت } أي علمت { مِن بَعْلِهَا } يعني زوجها { نُشُوزاً } يعني عصياناً في الأثرة { أَوْ إِعْرَاضاً } عنها وترك محادثتها ، نزلت في رافع بن خديج تزوج امرأة أشبّ من امرأته خولة بنت محمد بن مسلمة . وقال في رواية الكلبي : نزلت في ابنة محمد بن مسلمة ، وفي زوجها أسعد بن الزبير تزوجها وهي شابة ، فلما أدبرت وعلاها الكبر تزوج عليها امرأة شابة وآثرها عليها ، وجفا بنت محمد بن مسلمة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه فنزل : { وَإِنِ امرأة خافت مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } يعني ترك مجامعتها { أَوْ إِعْرَاضاً } يعني يعرض بوجهه ويقل مجالستها ومحادثتها { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا } أي لا إثم على الزوج والمرأة { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً } قرأ أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي { أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا } بضم الياء والتخفيف ، وهو من الصلح . وقرأ الباقون { ءانٍ } بالألف وتشديد الصاد ، لأن أصله وتصالحا فأدغمت التاء في الصاد ، وأقيم التشديد مكانه/

ثم قال : { صُلْحاً والصلح خَيْرٌ } يعني الصلح خير من الفرقة . ويقال : الصلح خير من النشوز ، ويقال : الصلح خير من الخصومة والخلاف . وروي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى : { وَإِنِ امرأة خافت مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً } قال : قول الرجل لامرأته أنت كبيرة ، وإني أريد أن أستبدل بك شابة ، فقري على ولدك ولا أقسم لك من نفسي شيئاً ورضيت بذلك ، فذلك الصلح بينهما . قال : وهذا قول أبي السنابل بن بعكك حين جرى بينهما هذا الصلح ، ثم صارت الآية عامة في جواز الصلح الذي يجري فيما بين الناس ، لقوله تعالى : { والصلح خَيْرٌ } . ثم قال تعالى : { وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح } يعني الشح حملها على أن تدع نصيبها ، ويقال : شحت المرأة بنصيبها من زوجها أن تدعه للأخرى ، وشحّ الرجل بنصيبه من الأخرى . وقال مقاتل : طمعها وحرصها يجرها إلى أن ترضى . ثم قال تعالى : { وَإِن تُحْسِنُواْ } يقول تحسنوا إليهن { وَتَتَّقُواْ } الميل والجور { فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } في الإحسان والجور .