فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الفيل

هي خمس آيات ، وهي مكية بلا خلاف ، قال ابن عباس : نزلت بمكة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ألم تر كيف فعل ربك } الاستفهام بتقرير رؤيته صلى الله عليه وسلم بإنكار عدمها ، والمراد بالرؤية هنا رؤية القلب ، وهي العلم عبر عنه بالرؤية لكونه علما ضروريا مساويا في القوة والجلاء للمشاهدة والعيان ، وحذفت الألف من { تر } للجازم ، قال الفراء : المعنى ألم تخبر ، وقال الزجاج : ألم تعلم .

وهو تعجيب له صلى الله عليه وآله وسلم بما فعله { بأصحاب الفيل } الذين قصدوا تخريب الكعبة من الحبشة ، وكيف منصوب على المصدرية أو الحالية ، واختار الأول ابن هشام في المغني ، والمعنى أي فعل فعل .

وأما نصبه على الحالية من الفاعل فممتنع ؛ لأن فيه وصفه تعالى بالكيفية وهو غير جائز ، والجملة سدت مسد مفعولي ترى ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويجوز أن يكون لكل من يصلح له .

والمعنى قد علمت يا محمد- أو علم الناس الموجودون في عصرك ومن بعدهم- بما بلغكم من الأخبار المتواترة من قصة أصحاب الفيل ، وما فعل الله بهم ، فما لكم لا تؤمنون ، وصاحب الأفيال أبرهة ملك اليمن ، واسمه الأشرم سمي بذلك ؛ لأن أباه ضربه بحربة فشرم أنفه وجبينه ، قال القرطبي : وأبرهة لقب لكل من فيه بياض ، وكان نصرانيا .

والفيل هو الحيوان المعروف ، وجمعه فيول وأفيال وفيلة . وقال ابن السكيت : ولا تقول : أفيلة ، وصاحبه فيال ، وكانت الفيلة ثلاثة عشر ، وإنما وحده ؛ لأنه نسبهم إلى الفيل الأعظم الذي كان يقاد به محمود ، وهو الذي برك وضرب في رأسه ، وقيل : إنما وحده موافقة لرؤوس الآي .

وعن ابن عباس قال : " جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح ، فأتاهم عبد المطلب فقال : إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحد . قالوا : لا نرجع حتى نهدمه ، وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر ، فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداء عليها الطين ، فلما حاذتهم رمتهم ، فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة ، وكان لا يحك الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه " {[1]} أخرجه ابن المنذر وعبد بن حميد وأبو نعيم والبيهقي .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.