وقوله سبحانه : { وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرسول } [ يوسف : 50 ] . لمَّا رأى المَلِكُ وحاضروه نُبْلَ التَّعْبِير وحُسْنَ الرأْيِ ، وتضمَّن الغيب في أمْر العامِ الثامِنِ ، مع ما وُصِفَ به من الصِّدْق عَظُمَ يوسُفُ في نَفْس الملك ، وقال : { ائتوني بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرسول قَالَ ارجع إلى رَبِّكَ } : يعني : المَلِكَ ، { فَسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، وقصْدُه عَلَيْه السلام بيانُ براءته ، وتحقُّق منزلته من العِفَّة والخَيْرِ ، فرسَمَ القصَّة بطَرَف منها ، إِذا وقع النظَرُ عَلَيْه ، بأن الأمْرُ كله ، وَنَكَبَ عن ذِكْرِ امرأة العزيز ؛ حُسْنَ عِشْرةٍ ورعايةٍ لذِمَامِ مُلْك العزيز له .
وفي «صحيح البخاري » ، عن عبد الرحمن بن القاسِمِ صاحبِ مَالِكٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( ولَوْ لَبِثْتُ في السِّجْنِ لُبْثَ يُوسُفَ لأَجَبْتُ الدَّاعِي ) المعنى : لو كُنْتَ أنا ، لَبَادَرْتُ بالخروج ، ثم حاوَلْتُ بيان عُذْرِي بَعْدَ ذلك ؛ وذلك أَنَّ هذه القصص والنوازل ، إِنما هي معرَّضة ليقتدي النَّاسُ بها إِلى يوم القيامة ، فأراد صلى الله عليه وسلم حَمْلَ الناسِ على الأحزمِ من الأمورِ ؛ وذلك أن التارِكَ لمِثْلِ هذه الفُرْصَة ربَّما نَتَجَ له بسَبَبِ التأخير خلاَفُ مقصوده ، وإِن كان يوسف قد أَمِنَ ذلك ؛ بِعِلْمِهِ من اللَّه ، فغيْرهُ من الناس لا يأمَنُ ذلك ، فالحالة التي ذَهَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه إِلَيْها حالَةُ حَزْمٍ ومدحٍ ؛ ليقتدى به ، وما فعله يوسَفُ عليه السلام حالةُ صَبْرٍ وتجلُّد .
قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه » : وانظر إِلى عظيمِ حلْمِ يوسُف عليه السلام وَوُفُورِ أدبه ، كيف قال : { مَا بَالُ النسوة التي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } ، فذكر النساءَ جملةً ؛ لتدخُلَ فيهنَّ امرأة العزيزِ مدْخَلَ العمومِ ؛ بالتلويحِ دون التصريح . انتهى . وهذه كانَتْ أخلاقُ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لا يقابل أحداً بمكروهٍ ، وإِنما يقول : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا ) ، من غير تعيينٍ ، وبالجملة فكلُّ خَصْلة حميدةٍ مذكُورَةٍ في القُرآنَ اتصف بها الأنبياءُ والأصفياءُ ، فقد اتصف بها نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم ، إِذ كان خلقه القرآن ، كما روته عائشةُ في الصحيحِ ، وكما ذكر اللَّه سبحانه : { أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده } [ الأنعام : 90 ] انتهى .
وقوله : { إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } ، فيه وعيدٌ ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.