فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ} (70)

وقيل أنه أخبره بما سيدبره من جعل السقاية في رحله فقال لا أبالي فدس الصاع في رحله وهو المراد بالسقاية في قوله { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية } وأصلها المشربة التي كان الملك يشرب بها جعلت صاعا يكال به . وقيل كانت تسقي بها الدواب ويكال بها الحب ، وقيل كانت من فضة ، وقيل من ذهب وقيل من زبرجد وقيل مرصعة بالجوهر ، وقيل غير ذلك وقد تقدم تفسير الجهاز والرحل

وعبر بالفاء هنا إشارة على طلب سرعة سيرهم وذهابهم لبلادهم لأن الغرض منه قد حصل وقد عرفت حالهم بخلاف المرة الأولى كان المطلوب طول مدة إقامتهم ليتعرف الملك حالهم .

والمعنى أنه جعل السقاية التي هي الصواع { في رحل أخيه } الذي هو الوعاء الذي يجعل فيه ما يشتريه من الطعام من مصر { ثم } بعد ذلك { أذن } نادى { مؤذن } مناد وأعلم معلم ، والأذان في اللغة الإعلام وكان ذلك النداء مع رفع الصوت مرارا كثيرة بدليل التفعيل بعد انفصالهم عن مجلس يوسف عليه السلام حتى انطلقوا وخرجوا من العمارة ثم أرسل خلفهم من استوقفهم وحبسهم كما يشير له التعبير بثم التي للتراخي بل قيل أنهم وصلوا إلى بلبيس وردوا من عندها .

{ أيتها العير } قال الزجاج : معناه يا أصحاب العير ، أي الإبل فهو مجاز مرسل علاقته المجاورة كما قاله السمين ، وفي المصباح العير بالكسر اسم للإبل التي تحمل الميرة في الأصل ثم غلب على كل قافلة انتهى .

وكل ما آمتير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير قاله الهيثم ، وقيل قافلة الحمير . وقال أبو عبيدة : العير الإبل المرحولة المركوبة ثم كثر ذلك في الاستعمال حتى قيل لكل قافلة عير لأنه يعير أي يذهب ويجيء .

{ إنكم لسارقون } نسبة السرقة إليهم على حقيقتها لأن المنادي غير عالم بما دبره يوسف عليه السلام وقيل أن المعنى أن حالكم حال السارقين من كون الصواع صار لديكم من غير رضا من الملك ، وليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا ذلك بأمر يوسف عليه السلام ، وهو الأقرب إلى ظاهر الحال ، لأنهم طلبوا السقاية فلم يجدوها ولم يكن هناك أحد غيرهم وغلب على ظنهم أنهم هم الذين أخذوها فقالوا ذلك بناء على غلبة ظنهم وقيل غير ذلك وهذا أولى .