{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( 76 ) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( 77 ) }
{ إن قارون كان من قوم موسى } قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ، للعجمة والعلمية . وليس بعربي مشتق من قرنت ، قال الزجاج : لو كان قارون من قرنت الشيء ، لانصرف ، قال النخعي وقتادة وغيرهما : كان ابن عم موسى ، وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي ابن يعقوب ، وموسى هو ابن عمران بن قاهث . وقال ابن إسحق : كان عم موسى لأب وأم ، فجعله أخا لعمران ، وهما ابنا قاهث . وقيل : هو ابن خالة موسى ، وكان يسمى : المنور ، لحسن صورته ، وكان من السبعين الذين اختارهم موسى للمناجاة فسمع كلام الله ، قاله الرازي ، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه ، فنافق كما نافق السامري ، وخرج عن طاعة موسى وهو معنى قوله :
{ فبغى } أي جاوز في التجبر والتكبر ، وطلب التفضل { عليهم } وأن يكونوا تحت أمره وحسد موسى على رسالته ، وهرون على إمامته . وكفر بالله بعدما آمن بهما ، بسبب كثرة ماله ، قال الضحاك : بغية على بني إسرائيل : استخفافه بهم لكثرة ماله وولده ، وقال قتادة : بغيه بنسبة ما آتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه وحيلته . وقيل : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم . وقيل : كان بغيه بغير ذلك مما لا يناسب معنى الآية .
{ وآتيناه من الكنوز } جمع كنز وهو المال المدخر ، سميت أمواله كنوزا لأنه كان ممتنعا من أداء الزكاة . قال عطاء : أصاب كنزا من كنوز يوسف ، وقيل : كان يعمل الكيمياء .
{ ما إن مفاتحه } ( ما ) موصولة صلتها ( إن ) وما في حيزها ، ولهذا كسرت ، ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع جعل المكسورة وما في حيزها صلة الذي ، واستقبح ذلك منهم لوروده في الكتاب العزيز في هذا الموضع ، والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ، وقيل : المراد بالفاتح الخزائن ، فيكون واحدها مفتاحا بفتح الميم . وقال الواحدي : إن المفاتح الخزائن في قول أكثر المفسرين كقوله : وعنده مفاتح الغيب ، قال : هو اختيار الزجاج قال : الأشبه في التفسير أن مفاتحه خزائن ماله ، وقال آخرون : هي جمع مفاتح ، وهو ما يفتح به الباب ، فهذا قول قتادة ومجاهد .
وعن خيثمة : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود الإبل كل مفاتح مثل الأصبع ، كل مفتاح على خزانة على حدة ، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلا أغر محجل ، وعنه قال : وجدت في الإنجيل أن بغال مفاتيح خزائن قارون غر محجلة ما يزيد كل مفتاح منها على أصبع لكل مفتاح كنز : قال الشوكاني : لم أجد في الإنجيل هذا الذي ذكره خيثمة .
{ لتنوء بالعصبة أولي القوة } أي لتثقل الأقوياء يقال نأى{[1349]} بحمله إذا نهض به مثقلا ، ويقال نأى بي الحمل أي أثقلني ، والمعنى يثقلهم حمل المفاتيح ، فلا يستطيعون حملها ؟ وقال الرازي : فلا يستطيعون ضبطها لكثرتها انتهى . قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب ، والمعنى : لتنوء بها العصبة ، أي تنهض بها ، قال أبو زيد : نأوت بالحمل إذا نهضت به ، وقال الفراء معنى تنوء بالعصبة تميلهم بثقلها ، كما يقال يذهب بالبؤس ، ويذهب البؤس ، وذهبت به ، وأذهبته ، وجئت به ، وأجأته ونؤت به ، ونأوته ، واختار هذا النحاس ، وبه قال كثير من السلف .
و قيل : هو مأخوذ من النأي ، وهو البعد وهو بعيد . وقرئ لينوء بالتحتية أي لينوء الواحد منها ، أو المذكور فحمل على المعنى أو التقدير حملها ، أو ثقلها ، وقيل الضمير في مفاتحه لقارون ، فاكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير ، كقولهم : ذهبت أهل اليمامة قاله الزمخشري ، والمراد بالعصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض ، قيل : هي من الثلاثة إلى العشرة ، وقيل من العشرة ، وقيل من العشرة إلى الخمسة عشر ، وقيل : ما بين العشرة إلى العشرين وقيل : من الخمسة إلى العشرة وقيل : أربعون ، وقيل : سبعون وقيل : غير ذلك . قال ابن عباس : لا ترفعها العصبة من الرجال أولي القوة ، والعصبة أربعون رجلا .
{ إذ قال له قومه لا تفرح } أي اذكر ، والمراد بقومه هنا : هم المؤمنون من بني إسرائيل . وقال الفراء : هو موسى ، وهو جمع أريد به الواحد ، والمعنى لا تبطر ، ولا تأشر ، ولا تمرح بكثرة المال .
{ إن الله لا يحب الفرحين } البطرين الأشرين ، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم ، قال الزجاج : المعنى لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه . وقيل المعنى لا تفسد ، قال الزجاج : الفرحين والفارحين سواء ، وقال الفراء : معنى الفرحين الذين هم في حال الفرح ، والفارحين الذين يفرحون في المستقبل ، قال مجاهد : معنى لا تفرح لا تبغ ، والفرحين الباغين . وقيل : معناه لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين ، وقال ابن عباس الفرحين المرحين ، قيل : إنه لا يفرح إلا من رضي بها واطمأن ، وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.