فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} (76)

{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( 76 ) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ( 77 ) }

{ إن قارون كان من قوم موسى } قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ، للعجمة والعلمية . وليس بعربي مشتق من قرنت ، قال الزجاج : لو كان قارون من قرنت الشيء ، لانصرف ، قال النخعي وقتادة وغيرهما : كان ابن عم موسى ، وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي ابن يعقوب ، وموسى هو ابن عمران بن قاهث . وقال ابن إسحق : كان عم موسى لأب وأم ، فجعله أخا لعمران ، وهما ابنا قاهث . وقيل : هو ابن خالة موسى ، وكان يسمى : المنور ، لحسن صورته ، وكان من السبعين الذين اختارهم موسى للمناجاة فسمع كلام الله ، قاله الرازي ، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه ، فنافق كما نافق السامري ، وخرج عن طاعة موسى وهو معنى قوله :

{ فبغى } أي جاوز في التجبر والتكبر ، وطلب التفضل { عليهم } وأن يكونوا تحت أمره وحسد موسى على رسالته ، وهرون على إمامته . وكفر بالله بعدما آمن بهما ، بسبب كثرة ماله ، قال الضحاك : بغية على بني إسرائيل : استخفافه بهم لكثرة ماله وولده ، وقال قتادة : بغيه بنسبة ما آتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه وحيلته . وقيل : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم . وقيل : كان بغيه بغير ذلك مما لا يناسب معنى الآية .

{ وآتيناه من الكنوز } جمع كنز وهو المال المدخر ، سميت أمواله كنوزا لأنه كان ممتنعا من أداء الزكاة . قال عطاء : أصاب كنزا من كنوز يوسف ، وقيل : كان يعمل الكيمياء .

{ ما إن مفاتحه } ( ما ) موصولة صلتها ( إن ) وما في حيزها ، ولهذا كسرت ، ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع جعل المكسورة وما في حيزها صلة الذي ، واستقبح ذلك منهم لوروده في الكتاب العزيز في هذا الموضع ، والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ، وقيل : المراد بالفاتح الخزائن ، فيكون واحدها مفتاحا بفتح الميم . وقال الواحدي : إن المفاتح الخزائن في قول أكثر المفسرين كقوله : وعنده مفاتح الغيب ، قال : هو اختيار الزجاج قال : الأشبه في التفسير أن مفاتحه خزائن ماله ، وقال آخرون : هي جمع مفاتح ، وهو ما يفتح به الباب ، فهذا قول قتادة ومجاهد .

وعن خيثمة : كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود الإبل كل مفاتح مثل الأصبع ، كل مفتاح على خزانة على حدة ، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلا أغر محجل ، وعنه قال : وجدت في الإنجيل أن بغال مفاتيح خزائن قارون غر محجلة ما يزيد كل مفتاح منها على أصبع لكل مفتاح كنز : قال الشوكاني : لم أجد في الإنجيل هذا الذي ذكره خيثمة .

{ لتنوء بالعصبة أولي القوة } أي لتثقل الأقوياء يقال نأى{[1349]} بحمله إذا نهض به مثقلا ، ويقال نأى بي الحمل أي أثقلني ، والمعنى يثقلهم حمل المفاتيح ، فلا يستطيعون حملها ؟ وقال الرازي : فلا يستطيعون ضبطها لكثرتها انتهى . قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب ، والمعنى : لتنوء بها العصبة ، أي تنهض بها ، قال أبو زيد : نأوت بالحمل إذا نهضت به ، وقال الفراء معنى تنوء بالعصبة تميلهم بثقلها ، كما يقال يذهب بالبؤس ، ويذهب البؤس ، وذهبت به ، وأذهبته ، وجئت به ، وأجأته ونؤت به ، ونأوته ، واختار هذا النحاس ، وبه قال كثير من السلف .

و قيل : هو مأخوذ من النأي ، وهو البعد وهو بعيد . وقرئ لينوء بالتحتية أي لينوء الواحد منها ، أو المذكور فحمل على المعنى أو التقدير حملها ، أو ثقلها ، وقيل الضمير في مفاتحه لقارون ، فاكتسب المضاف من المضاف إليه التذكير ، كقولهم : ذهبت أهل اليمامة قاله الزمخشري ، والمراد بالعصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض ، قيل : هي من الثلاثة إلى العشرة ، وقيل من العشرة ، وقيل من العشرة إلى الخمسة عشر ، وقيل : ما بين العشرة إلى العشرين وقيل : من الخمسة إلى العشرة وقيل : أربعون ، وقيل : سبعون وقيل : غير ذلك . قال ابن عباس : لا ترفعها العصبة من الرجال أولي القوة ، والعصبة أربعون رجلا .

{ إذ قال له قومه لا تفرح } أي اذكر ، والمراد بقومه هنا : هم المؤمنون من بني إسرائيل . وقال الفراء : هو موسى ، وهو جمع أريد به الواحد ، والمعنى لا تبطر ، ولا تأشر ، ولا تمرح بكثرة المال .

{ إن الله لا يحب الفرحين } البطرين الأشرين ، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم ، قال الزجاج : المعنى لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه . وقيل المعنى لا تفسد ، قال الزجاج : الفرحين والفارحين سواء ، وقال الفراء : معنى الفرحين الذين هم في حال الفرح ، والفارحين الذين يفرحون في المستقبل ، قال مجاهد : معنى لا تفرح لا تبغ ، والفرحين الباغين . وقيل : معناه لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين ، وقال ابن عباس الفرحين المرحين ، قيل : إنه لا يفرح إلا من رضي بها واطمأن ، وأما من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه يتركها عن قريب فلا يفرح بها .


[1349]:ينظر في هذين المثالين فإنه لا صلة لهما بقوله تعالى لتنوء لأنه من باب ناء ينوء لا من باب نأى ينأى أي: من باب نصر ينصر لا من باب فتح يفتح فليحرر. المطيعي.