فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} (21)

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } أي قدوة صالحة ، يقال : لي في فلان أسوة أي لي به اقتداء ، والأسوة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء اسم يوضع موضع المصدر يقال : ائتسى فلان بفلان أي اقتدى به ، قال الجوهري الأسوة والإسوة بالضم والكسر والجمع أسى وإسى وقد قرئ بهما وهما سبعيتان وهما أيضا لغتان كما قال الفراء وغيره .

وفي هذه الآية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لقد كان لكم في رسول الله حيث بذل نفسه للقتال ، وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله أسوة ، والمعنى اقتدوا به اقتداء حسنا ، وهو أن تنصروا دين الله وتوازروا رسوله ولا تتخلفوا عنه ، وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو إذ كسرت رباعيته ، وجرح وشج وجهه ، وجاع بطنه ، وقتل عمه حمزة ، وأوذي بضروب الأذى فصبر ، وواساكم مع ذلك بنفسه ، فافعلوا أنتم كذلك أيضا ، واستنوا بسنته ، وهذه الآية وإن كان سببها خاصا فهي عامة في كل شيء ؛ومثلها : { وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا } وقوله : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } .

عن ابن عمر قال في الآية : هذا في جوع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة في مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة ، وهي خارجة عما نحن بصدده ، نعم فيه دلالة على لزوم الإتباع ، وترك التقليد الحادث الذي أصيب به الإسلام ، أي مصيبة وهل هذه الأسوة على الإيجاب أو على الاستحباب ، فيه قولان ، قال القرطبي يحتمل أن تحمل على الإيجاب في أمور الدين ، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا .

{ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ } أي حسنة كائنة لمن يرجو الله والمراد أنهم الذين يرجون الله ويخافون عذابه ، يعني يرجون ثوابه ولقاءه { وَالْيَوْمَ الآخِرَ } أي أنهم يرجون رحمة الله فيه أو يصدقون بحصوله ، وأنه كائن لا محالة وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى .

{ وَذَكَرَ اللهَ } أي ولمن ذكر الله في جميع أحواله ذكرا { كَثِيرًا } وجمع بين الرجاء لله والذكر له فإن بذلك تتحقق الأسوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم بين سبحانه وقع من المؤمنين المخلصين عند رؤيتهم للأحزاب ومشاهدتهم لتلك الجيوش التي أحاطت بهم كالبحر العباب فقال : { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ }