فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

ثم عجب سبحانه من حال الكفار فقال : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ( 23 ) }

{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } قال الحسن وقتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه . وقال عكرمة يعبد ما يهواه أو يستحسنه فإذا استحسن شيئا وهواه ، اتخذه إلها ، قال سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر .

وقال ابن عباس : ذلك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان ، والمعنى هو مطواع لهوى النفس ، يتبع ما يدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه .

{ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ } قد علمه ، قال ابن عباس : يقول أضله في سابق علمه تعالى ، وقيل المعنى أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه ، وقال مقاتل على علم منه أنه ضال ؛ لأنه يعلم أن الصنم لا ينفع ولا يضر ، قال الزجاج : على سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ، وقال الكرخي : أضله وهو عالم بالحق ، وهذا أشد تشنيعا عليه .

{ وَخَتَمَ } أي طبع { عَلَى سَمْعِهِ } حتى لا يسمع الوعظ { وَ } طبع على { قَلْبِهِ } حتى لا يفقه الهدى ولا يعقله { وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً } أي ظلمة وغطاء حتى لا يبصر الرشد ، قرأ الجمهور غشاوة بالألف مع كسر الغين وقرئ بغير ألف مع فتح الغين . وقرأ ابن مسعود والأعمش كقراءة الجمهور مع فتح الغين ، وهي لغة ربيعة ، وقرئ بضمها وهي لغة عكل .

{ فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ } أي بعد إضلال الله له أي لا يهتدي { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } تذكر اعتبار ، حتى تعلموا حقيقة الحال ؛ قال الواحدي : ليس يبقى للقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة ، لأن الله صرح بمنعه إياه عن الهدى حتى أخبر أنه ختم على سمعه وقلبه وبصره ،