فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ} (27)

{ ويبقى وجه ربك } الوجه عبارة عن ذاته سبحانه ووجوده ، وقد تقدم في سورة البقرة بيان معنى هذا ، وقيل : المعنى وتبقى حجته التي يتقرب بها إليه والأول أولى ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو لكل من يصلح له ، وخاطب الاثنين في قوله : { فبأي آلاء ربكما } ، وخاطب هنا الواحد لأن الإشارة ههنا وقعت إلى كل أحد ، فقال : ويبقى وجه ربك أيها السامع ، ليعلم كل أحد أن غيره فان ، فلو قال : ويبقى وجه ربكما لكان كل أحد يخرج نفسه ورفيقه المخاطب عن الفناء ، ولم يقل ويبقى وجه الرب من غير الخطاب مع أنه أدل على فناء الكل ، لأن كاف الخطاب في الرب إشارة إلى اللطف ، والإبقاء إشارة إلى القهر ، والموضوع موضع بيان اللطف وتعديد النعم ، فلهذا قال : بلفظ الرب وكاف الخطاب .

{ ذو الجلال } أي ذو العظمة والكبرياء ، واستحقاق صفات المدح ، يقال : جل الشيء أي عظم ، وأجللته أي أعظمته وهو اسم من جل ، قرأ الجمهور ذو على أنه صفة لوجه وقرئ ذي على أنه صفة لرب .

{ والإكرام } معناه أنه يكرم عن كل شيء لا يليق به وقيل : إنه ذو الإكرام لأوليائه ، ففي وصفه بذلك بعد ذكر فناء الخلق ، وبقائه تعالى إيذان بأنه تعالى يفيض عليهم بعد فنائهم آثار لطفه وكرمه حسبما ينبئ عنه قوله : { فبأي آلاء } ، فإن إحياءهم بالحياة الأبدية وإثابتهم بالنعيم المقيم من أجل النعم وأعظم الآلاء .

وعن " أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألظو بياذا الجلال والإكرام " أخرجه الترمذي ، وقال الحاكم : حديث صحيح الإسناد ومعنى ألظوا ألزموا هذه الدعوة وأكثروا منها .