فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ} (137)

{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون 137 وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون 138 } .

{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } يعني بني إسرائيل الذين كانوا يذلون ويمتهنون بالخدمة لفرعون وقومه { مشارق الأرض } هي مصر والشام { ومغاربها } المراد جهات مشرقها وجهات مغربها ، وهي التي كانت لفرعون وقومه من القبط فملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتصرفوا فيها شرقا وغربا كيف شاءوا .

وقال الزجاج : المراد جميع الأرض ونواحيها لأن داود وسليمان كانا من بني إسرائيل وقد ملكا الأرض ، وقيل أراد الأرض المقدسة وهو بيت المقدس وما يليه من الشرق والغرب .

{ التي باركنا فيها } بإخراج الزرع والثمار منها على أتم ما يكون وأنفع ما ينفق ، قال الحسن هي الشام ، وعن قتادة وزيد بن أسلم نحوه ، وقال عبد الله بن شوذب : هي فلسطين ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الشام أحاديث ليس هذا موضع ذكرها .

{ وتمت } أي مضت واستمرت على التمام { كلمت ربك } هي قوله تعالى { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين } وهذا وعد من الله سبحانه بالنصر والظفر بالأعداء والاستيلاء على أملاكهم فتمامه مجاز عن إنجازه ، و { الحسنى } صفة للكلمة وهي تأنيث الأحسن { على بني إسرائيل بما صبروا } أي تمام هذه الكلمة عليهم بسبب صبرهم على ما أصيبوا به من فرعون وقومه ، وقال مجاهد : تمام الكلمة ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وإهلاك عدوهم وما ورثهم منها .

{ ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه } التدمير الإهلاك أي أهلكنا ما كانوا يصنعون في أرض مصر من العمارات وبناء القصور . وفيه أربعة أوجه من الأعراب ، ذكرها السمين { وما كانوا يعرشون } من الجنات والثمار والأعناب ، قاله الحسن ، ومنه قوله تعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات } وقيل يسقفون من ذلك البنيان ، وقيل المعنى ما كانوا يرفعون من الأبنية المشيدة في السماء . يقال عرش يعرش أي بنى يبني . قال مجاهد : ما كانوا يبنون من البيوت والقصور ، وهذا آخر قصة فرعون وقومه .