قوله : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون [ مشارق الارض {[24967]} ] }[ 137 ]الآية .
قوله : { مشارق الارض ومغاربها } ، مفعول " بأورث " {[24968]} .
وقال الفراء ، والكسائي : هو ظرف {[24969]} . وتقدير الكلام عندهم :
{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } في { مشارق الارض ومغاربها } الأرض { التي باركنا فيها } ، في مشارق الأرض ومغاربها . ف( التي {[24970]} ) : مفعول ل : ( أورثنا ) {[24971]} .
والمعنى : أورثنا بني إسرائيل ، الذين كان فرعون يستخدمهم استضعافا لهم ، { مشارق الارض } ، أي : أرض الشام {[24972]} ، في قول الحسن {[24973]} ، وهو ما يلي المشرق ، { ومغاربها } ما يلي المغرب ، { التي باركنا فيها }[ 137 ] ، أي : التي جعلنا الخير فيها ثابتا {[24974]} دائما {[24975]} .
وقال الليث {[24976]} : { الارض } ، هنا أرض مصر ، وإن مصر هي التي بارك الله فيها {[24977]} .
قال {[24978]} الليث : مصر مباركة في كتاب {[24979]} الله ، جل ذكره ، لقوله تعالى : { التي باركنا فيها } ، قال : هي مصر ، وهي مباركة . ومصر مشتقة من قولهم : مَصَرَ الشاة يمصرها مصرا {[24980]} : إذا حلب كل شيء في ضرعها ، فسميت : مِصرا {[24981]} لاجتماع الخير فيها {[24982]} .
وروي عن ابن عمر {[24983]} أنه قال : نيل {[24984]} مصر سيد الأنهار ، وسخر الله ، عز وجل له كل نهر {[24985]} بين المشرق والمغرب ، وذلله له ، فإذا أراد الله ، جل ذكره ، أن يجري نيل مصر ، أمر كل نهر أن يمده ، فمدته الأنهار بمائها ، وفجر الله له الأنهار عيونا ، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله ، سبحانه ، أوحى الله ، عز وجل إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره {[24986]} .
وقال {[24987]} ابن عمر {[24988]} ، وغيره في قوله تعالى : { كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم {[24989]} } ، قال : كانت الجنات بحافتي {[24990]} هذا النيل ، من أوله إلى آخره في الشقين جميعا ، ما بين : أسوان {[24991]} إلى : رشيد {[24992]} ، وكان له سبعة خُلُج {[24993]} : خليج الإسكندرية {[24994]} ، وخليج دمياط ، وخليج سردوس {[24995]} ، وخليج منف {[24996]} ، وخليج الفيُّوم {[24997]} ، وخليج المنهى {[24998]} . وقيل : السابع {[24999]} ، خليج سخا {[25000]} ، كانت متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء {[25001]} .
وقوله : { ومقام كريم } ، يعني المنابر {[25002]} . كان بها ألف {[25003]} منبر .
وقوله : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الارض ومغاربها } {[25004]} ، قال الطبري : لا يجوز أن تكون : { مشارق الارض ومغاربها } نصبا {[25005]} على الظرف ؛ لأن بني إسرائيل لم يكن يستضعفهم ( أحد ) {[25006]} يومئذ إلا فرعون بمصر ، فغير جائز أن يقال : { يستضعفون } في مشارق الأرض وفي مغاربها {[25007]} .
وقد غلط {[25008]} الطبري على الفراء ؛ لأن الفراء لم يرد أنه ظرف : { يستضعفون } ، إنما جعله ظرفا مقدما للأرض التي بورك فيها {[25009]} .
فتقدير الكلام : { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } الأرض التي باركنا ( فيها {[25010]} ) في مشارق /الأرض ومغاربها . وهذا أحسن في المعنى ، وإن كان النصب ب : { أورثنا } على أنه مفعول به أحسن {[25011]} .
وقوله : { وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا }[ 137 ] .
أي : تمّم الله ( عز وجل {[25012]} ) لهم ما {[25013]} وعدهم به من تمكينهم في الأرض ونصرهم على فرعون عدوهم ، بصبرهم على عذاب فرعون لهم {[25014]} .
وهذا يدل على أن الصبر عند البلاء أحمد من مقابلته {[25015]} بمثله ؛ لأن البلاء إذا قوبل بمثله وُكل فاعله إليه ، وإذا قوبل بالصبر وانتظار الفرج من الله ، جل ذكره ، أتاهم الله ، ( عز وجل {[25016]} ) ، بالفرج {[25017]} الذي أملوه {[25018]} وانتظروه من الله {[25019]} ، ( سبحانه ) {[25020]} .
وقال مجاهد : هو ظهور قوم موسى على فرعون {[25021]} .
و " الكلمة " هنا : قول موسى : { عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض }[ 129 ] {[25022]} .
وقيل {[25023]} : هو قوله : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة } ، إلى : { {[25024]} يحذرون } {[25025]} .
وقوله : { ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه {[25026]} ) }[ 137 ] . أي : أهلكنا ما عمَّروا وزرعوا .
{ وما كانوا يعرشون }[ 137 ] . أي : ( وأهلكنا {[25027]} ) ما كانوا {[25028]} يبنون {[25029]} ، أي : خربنا {[25030]} ذلك {[25031]} .
والضم والكسر في " ر " : { يعرشون {[25032]} } ، لغتان {[25033]} .
[24968]:مشكل إعراب القرآن 1/300، وإعراب القرآن للنحاس 2/147، والبيان في غريب القرآن 1/372، وزاد: أي: جعلناهم ملوك الشام ومصر، والتبيان للعكبري 1/591، وتفسير القرطبي 7/173، والبحر المحيط 4/375، والدر المصون 3/333، وفتح القدير 2/274.
[24969]:معاني القرآن للفراء 1/397، وإعراب القرآن للنحاس 2/147، وتفسير القرطبي 7/173، والبحر المحيط 4/375، ووسم فيه بأنه: "تكلف وخروج عن الظاهر بغير دليل"، وفتح القدير 2/274.
[24970]:في ج: سيئة الخط، فوقها صاد ممدودة، وفي هامش "فالتي"، وفوقها رمز: صح.
[24971]:معاني القرآن للفراء 1/397، وإعراب القرآن للنحاس 2/147.
[24972]:وفيها ثلاث لغات: المد بدون همز. والهمز مع السكون. والهمز مع الفتح. ويطلق في التاريخ: على فلسطين وسورية ولبنان والأردن. المعالم الأثيرة في السنة والسيرة 147.
[24973]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/234، وجامع البيان 13/76، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1551، ونسب فيها لقتادة أيضا. ينظر تفسير الماوردي 2/254، والدر المنثور 3/526.
[24974]:في "ر" تاتينا، وهو تحريف لا معنى له.
[24976]:هو: الليث بن سعد بن عبد الرحمن، أبو الحارث المصري، ثقة، روى له الستة، توفي سنة 175هـ. انظر: تهذيب التهذيب 3/481، وما بعدها، وتقريب التهذيب /400.
[24977]:في البحر 4/375: "وقال الليث: هي مصر بارك الله فيها بما يحدث عن نيلها من الخيرات وكثرة الحبوب والثمرات"، وانظر فيه أقوالا أخرى.
[24979]:في الأصل: كتب. وأثبت ما في "ج" و"ر".
[24980]:قوله: "مصر الشاة يمصرها إذا حلب كل شيء في ضرعها". فيه سقط واضطراب في ج، وصحح في الهامش، ولكنه مطموس بفعل الرطوبة.
[24982]:في اللسان /مصر: "الليث: المصر: حلب بأطراف الأصابع والسبابة والوسطى والإبهام، ونحو ذلك". انظر معجم البلدان /مصر.
[24983]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي تفسير القرطبي 13/70، وتفسير ابن كثير 4/141: "عبد الله بن عمرو بن العاص"، وهو الصواب، إن شاء الله.
[24985]:كلمة نهر، تحرفت في الأصل إلى: كأنهن.
[24986]:تفسير القرطبي 13/70، وتفسير ابن كثير 4/141، ومعجم البلدان /نيل، وعزى فيه إلى عمرو بن العاص.
[24987]:في ج: قال، وفي ر: أفسدته الرطوبة والأرضة.
[24988]:كذا في المخطوطات الثلاث. وفي تفسير القرطبي، وتفسير ابن كثير: "عبد الله بن عمرو"، وقد سلفت الإشارة إليه قريبا.
[24990]:في الأصل: بحفاتي، وصوابه من ج، ومصادر التوثيق، ص: 2525، هامش 1. وفي ر: طمس بفعل الرطوبة والأرضة. وحافتا الوادي: جانباه. المختار/حوف.
[24991]:أسوان تحرفت في الأصل إلى: سوار، والتصويب من ج، و ر، ومصادر التوثيق، ص:2525، هامش1.
[24992]:رشيد: بفتح أوله، وكسر ثانيه: بليدة على ساحل البحر. والنيل قرب الإسكندرية، خرج منها جماعة من المحدثين. معجم البلدان /رشيد.
[24993]:في الأصل: خليج، وهو تحريف، وصوابه من ج، وتفسير ابن كثير 4/141. والخليج: امتداد من الماء متوغل في اليابس. والنهير يقتطع من النهر الكبير إلى جهة ينتفع به. جمع: خُلُج، (بضمتين)، وخلجان. المعجم الوسيط /خلج.
[24994]:في الأصل: الإسكندرية، وهو سهو ناسخ.
[24995]:قال ياقوت في معجم البلدان/سردد: "...، كانت خلجان مصر سبعة على جوانبها الجنات، منها خليج سردوس.
[24996]:منف: بالفتح، ثم السكون، وبفاء في الآخر. انظر: معجم البلدان منف. وخليج منف لحق في ج.
[24997]:الفيُّوم: بالفتح، وتشديد ثانيه، ثم واو ساكنة، وميم. انظر: معجم البلدان/فيوم.
[24998]:المنهى: بالفتح، والقصر، كأنه اسم مكان من: نهاه ينهاه. انظر: معجم البلدان/المنهى.
[25000]:سخا: كورة بمصر. انظر: معجم البلدان/سخا. والكورة بوزن الصورة: المدينة والصقع، (بالضم: الناحية)، والجمع: كور. وفي المخطوطات الثلاث: سحا، بحاء مهملة، وهو تصحيف، وفي ج: وضع تحت المهمل همزة، دلالة على الإهمال. انظر تحقيق النصوص لهارون 49.
[25001]:انظر: تفسير القرطبي 13/70، وتفسير ابن كثير 4/141، ومعجم البلدان /نيل.
[25002]:وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير كما في جامع البيان 13/159. وينظر البحر المحيط 7/18.
[25004]:في ج: عقب الآية لحق، نصه: ظرف في قول الفراء. وقول الفراء مضي قريبا 296، والمصادر هناك.
[25007]:ونص عبارة الطبري في جامع البيان 13/77: "وكان بعض أهل العربية يزعم أن {مشارق الارض ومغاربها}، نصب على المحل، بمعنى: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، وأن قوله: {وأورثنا} إنما وقع على قوله: {التي باركنا فيها}.
وذلك قول لا معنى له؛ لأن بني إسرائيل لم يكن يستضعفهم أيام فرعون غير فرعون وقومه، ولم يكن له سلطان إلا بمصر، فغير جائز، والأمر. كذلك أن يقال: الذين يُستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها".
[25008]:في ج: وغلط، وفي الأصل: غلظ، بظاء معجمة، وهو تصحيف. وغلط في الأمر من باب طرب المختار/غلط.
[25009]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/397.
[25011]:انظر: مشكل إعراب القرآن 1/300.
[25013]:في ج فوق "ما" حرف "على" ولا مسوغ له.
[25014]:جامع البيان 13/77، بتصرف يسير في اللفظ.
[25015]:في الأصل: من مقابلة. وأثبت ما في (ج) و (ر).
[25019]:انظر: تفسير الحسن البصري 1/386، والكشاف 2/143، والمحرر الوجيز 2/447، وتفسير الرازي 7/231، والبحر المحيط 4/386.
وهذه المصادر نصت صراحة على أفضلية الصبر على أذى السلطان؛ لأن من استنجد بالسيف وُكِل إليه، و"ما أوتيت بنو إسرائيل ما أوتيت إلا بصبرهم، وما فزعت هذه الأمة إلى السيف قط فجاءت بخير" كما يقول الحسن البصري في تفسيره السالف ذكره.
[25021]:التفسير 342، وجامع البيان 13/78، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1551، والدر المنثور 3/532، بلفظ: "هو ظهور موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وما ورثهم فيها".
[25022]:معاني الزجاج 2/371، وتفسير الماوردي 2/254، والمحرر الوجيز 2/446، والبحر المحيط 4/376.
[25023]:في الأصل، و ر: وهذا، وأثبت ما في ج.
[25024]:في الأصل: يجحدون، وهو سبق قلم.
وهو قول مجاهد في جامع البيان 13/77، 78. وينظر تفسير الماوردي 2/254، والمحرر الوجيز 2/446، والبحر المحيط 4/375، 376.
[25025]:القصص: 4، 5. وتمام الآيتين: {ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.
[25028]:في الأصل: ما كان، وهو سهو ناسخ.
[25029]:قال في تفسير المشكل من غريب القرآن: 174: {يعرشون}، أي: يبنون. وزاد ابن قتيبة في غريبه 172: "والعروش: البيوت. والعروش: السقوف".
[25030]:خربنا، تحرفت في الأصل إلى: خرجنا، والتصويب من ج، وجامع البيان الذي نقل عنه مكي. وفي ر، أفسدته الرطوبة والأرضة.
[25031]:جامع البيان 13/78، بتصرف. وانظر: البحر المحيط 4/376.
[25032]:في ج: رسمت في الموضعين بالعين المهملة، والشين المهملة، وهو تصحيف.
قال الشهاب في حاشيته على تفسير البيضاوي 4/211: "وقرئ في الشواذ "يغرسون" بالغين المعجمة وفي الكشاف إنها تصحيف".
[25033]:قال في الكشف عن وجوه القراءات السبع 1/475: "وهما لغتان مشهورتان...، يقال: عَرَشَ يَعْرِشُ، ويَعْرُشُ بمعنى: بنى"...
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بكسر الراء، هنا وفي النحل: {مما يعرشون}[68].
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: بضم الراء، هنا وفي النحل. الكشف 1/475، وكتاب السبعة في القراءات 292، وحجة القراءات لأبي زرعة 294، والتيسير 93، والمحرر الوجيز 2/447، وزاد المسير 3/253، والبحر المحيط 4/376، والدر المصون 3/334، وفيه "والكسر لغة الحجاز...، وهي أفصح".
وقال الطبري في جامع البيان 13/79: "فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لاتفاق معنيي ذلك، وأنهما معروفان من كلام العرب. وكذلك تفعل العرب في: "فعل"، إذا ردته إلى الاستقبال، تضم العين منه أحيانا وتكسره أحيانا. غير أن أحب القراءتين إلى "كسر الراء"، لشهرتها في العامة، وكثرة القراءة بها، وأنها أصح اللغتين". انظر: الحجة 162، لابن خالويه، وإعراب القراءات السبع وعللها 1/203، 204، له.