الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ} (213)

أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال { كان الناس أمة واحدة } قال : على الإسلام كلهم .

وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق ، فاختلفوا فبعث الله النبيين قال : وكذلك في قراءة عبد الله { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا } .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال : كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ، ففطرهم الله على الإسلام وأقروا له بالعبودية ، فكانوا أمة واحدة مسلمين ، ثم اختلفوا من بعد آدم .

وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد { وكان الناس أمة واحدة } قال : آدم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرؤها { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين } وإن الله إنما بعث الرسل ، وأنزل الكتاب ، بعد الاختلاف { وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه } يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم { بغيا بينهم } يقول : بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس ، فبغى بعضهم على بعض ، فضرب بعضهم رقاب بعض ، { فهدى الله الذين آمنوا } يقول : فهداهم الله عند الاختلاف أنهم أقاموا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف ، أقاموا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، واعتزلوا الاختلاف ، فكانوا شهداء على الناس يوم القيامة ، على قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم شعيب ، وآل فرعون ، وأن رسلهم بلغتهم ، وأنهم كذبوا رسلهم .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { كان الناس أمة واحدة } قال : كفارا .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " نحن الأولون والآخرون ، الأولون يوم القيامة ، وأول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله ، فالناس لنا فيه تبع ، فغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى ، هو في الصحيح بدون الآية " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : كان بين آدم ونوح عشرة أنبياء ، ونشر من آدم الناس فبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ، ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا ، وكان أول رسول أرسله الله إلى الأرض ، وبعث عند الاختلاف من الناس وترك الحق ، فبعث الله رسله وأنزل كتابه يحتج به على خلقه .

وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } فاختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد ، فهدى الله أمة محمد بيوم الجمعة ، واختلفوا في القبلة ، فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، وهدى الله أمة محمد للقبلة ، واختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك ، واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود : كان يهوديا ، وقالت النصارى : كان نصرانيا . وجعله الله حنيفا مسلما ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في عيسى ، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما ، وجعلته النصارى إلها وولدا ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال في قراءة ابن مسعود : { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا عنه } يقول : اختلفوا عن الإسلام .

وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : في قراءة أبي بن كعب { فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا من الحق فيه بإذنه ليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فكان أبو العالية يقول : في هذه الآية يهديهم للمخرج من الشبهات والضلالات والفتن .