الآية 213 وقوله تعالى : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ) قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وآخر معه من الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، قالا : ( كان الناس أمة واحدة ) كلهم كفار إلى أن بعث الله عز وجل فيهم النبيين ) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( ( كان الناس أمة واحدة ) مؤمنين كلهم زمن نوح عليه السلام [ وهم ]{[2395]} الذين كانوا في السفينة إلى أن اختلفوا من بعد ، ( فبعث الله ) فيهم ( النبيئين ) وقال بعضهم : ( كان الناس أمة واحدة ) [ مؤمنين كلهم زمن آدم عليه السلام ]{[2396]} إلى أن أنزل الله الكتاب عليهم ، وبعث فيهم الرسل .
ولو قيل بغير هذا كان أقرب ؛ قوله : ( كان الناس أمة واحدة ) يعني صنفا واحدا ، ومعنى الأمة معنى الصنف كقوله تعالى : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) [ الأنعام : 38 ] يعني أصنافا ، ثم خص الله تعالى صنفا : بعث الرسل إليهم ، وأنزل الكتاب عليهم من بين غيرها من الأصناف تفضيلا{[2397]} لهم وإكراما ؛ وبعث كل رسول إلى قومه ، فيهم كفار ، وفيهم مؤمنون ، لأن الأرض لا تخلو من نبي أو ولي كقوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) [ الإسراء : 70 ] ليعلموا أن سائر أصناف الخلق خلقوا لهم ولحاجاتهم ، وهو قول الحسن ، وكذلك قول أبي حنيفة رضي الله عنه : ( إن الأرض لا تخلو من نبي أو ولي ) والله أعلم .
وقوله : ( فبعث الله النبيئين مبشرين ) لمن أطاعه ( ومنذرين ) لمن عصاه . وجائز أن تكون البشارة والنذارة جملة له{[2398]} عن الوقوع بما به يقعان مختلف ، كقوله : ( إنما تنذر من اتبع الذكر ) [ يس : 11 ] وقوله : ( ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] .
وقوله : ( وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس ) ، يحتمل قوله : ( ليحكم ) وجهين : يحتمل ( ليحكم ) الكتاب المنزل عليهم بالحق فيما بينهم ، وهو كقوله تعالى : ( لينذر الذين ظلموا ) [ الأحقاف : 12 ] . وقرأ بعضهم ( ليحكم ){[2399]} بالياء ، وقرأ آخرون بالتاء ؛ فمن قرأ بالياء جعل الكتاب ، هو المنذر ، ومن قرأ بالتاء صير الرسول ، هو المنذر . فكذلك في هذا ليحكم الكتاب بينهم بالحق ، وليحكم الرسول بالكتاب فيما بينهم بالحق .
وقوله : ( فيما اختلفوا فيه ) ؛ يحتمل قوله : ( فيه ) وجوها : يحتمل ( فيه ) في محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل ( فيه ){[2400]} في دينه ؛ ويحتمل [ ( وفيه ) في ما اختلفوا فيه في كتابه ]{[2401]} .
وقوله : ( وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات ) أي ما اختلفوا فيه إلا ( من بعد ما جاءتهم البينات ) والعلم ؛ إما من جهة العقل ، وإما من جهة السمع والكتب والخبر ، وإما من جهة المعاينة والمشاهدة ، لكنهم تعاندوا ، وكابروا وكفروا به .
[ وقوله : ( بغيا بينهم ) ؛ قيل : ( بغيا بينهم ) أي ]{[2402]} حسدا بينهم ، وقيل : [ ( بغيا بينهم ) ]{[2403]} ظلما منهم ؛ ظلموا محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) تأويله ، والله أعلم ، أي هدى الله الذين آمنوا ، ولم يختلفوا من بين الذين اختلفوا . ويحتمل : هدى الله من أنصف ، ولم يعاند ، ولم يهد الذين عاندوا ، ولم ينصفوا .
وقوله : ( بإذنه ) [ يحتمل وجوها : قيل : ]{[2404]} ( بإذنه ) بأمره ، وقيل : ( بإذنه ){[2405]} بفضله . لكن قوله : ( بإذنه ){[2406]} بأمره لا يحتمل ، ولكن ( بإذنه ) أي بمشيئته وإرادته .
وقوله : ( والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) فيه دلالة [ أنه ]{[2407]} من شاء أن يهتدي هداه{[2408]} ، ومن لم يشأ أن يهتدي لم يهده{[2409]} ؛ لأنه لو كان شاء أن يهتدوا جميعا{[2410]} على ما يقوله المعتزلة لكان يقول : والله يهدي إلى صراط مستقيم ، ولم يقل : من يشاء [ على أنه شاء ]{[2411]} إيمان من آمن ، ولم يشأ إيمان من لم يؤمن . فالآية تنقض{[2412]} على المعتزلة قولهم : إنه شاء أن يؤمنوا ، لكن آمن بعضهم ، ولم يؤمن البعض .
وفي قوله : ( فبعث الله النبيين ) دلالة على ألا يفهم من البعث والإتيان والمجيء الانتقال من مكان إلى مكان ، ولا الزوال من موضع إلى موضع ، لأنه ذكر البعث ، وهم كانوا بين ظهرانيهم ، فدل أنه يراد الوجود ، لا غير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.