وجه النظْمِ أنه لما بيَّن أن سبب إصرار الكُفَّار على كُفرهم ، هو حُبُّ الدنيا بين في هذه الآية أَن هذا المعنى غير مُختص بهذا الزمان ، بل كان حاصلاً في الأَزْمِنة المُتَقادِمة ، فَإِنَّهم كانوا أُمةً واحدة على الحق ، ثم اختلفُوا ، وما كان اختلافُهم إِلاَّ بسبب البغي ، والتحاسُد ، والتَّنَازُع في طلب الدنيا .
قال القفَّال{[3226]} : " الأُمَّةُ " هم المجتمعون على الشَّيء الواحد ، يَقتدي بعضُهم ببعض ؛ مأخوذٌ من الائتمام .
ودَلَّتِ الآيةُ على أَنَّ الناس كانت أُمَّةً واحدةً ، ولم تدلَّ على أَنَّهُم كانوا أُمَّةً وَاحدةً : في الحقِّ ، أم في الباطل .
قد جاءت الأمة على خمسة أَوْجُهٍ :
الأوَّل : " الأُمَّةُ " المِلَّة ، كهذه الآية ، أي : مِلَّة واحدة ، ومثله :
{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [ المؤمنون : 52 ] أي : مِلتكُم .
الثاني : الأُمَّةُ الجماعة ؛ قال تعالى : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ }
[ الأعراف : 181 ] أي : جماعةٌ .
الثالث : الأُمَّةُ السنين ؛ قال تعالى : { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } [ هود : 8 ] ، أي : إلى سنين معدودةٍ ، ومثله " وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ " أي : بعد سنين .
الرابع : بمعنى إمامٍ يُعلِّمُ الخير ؛ قال تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ } [ النحل : 120 ] .
الخامس : الأُمَّةُ : إحدى الأُمم ؛ قال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] ، وباقي الكلام على ذلك يأتي في آخرِ " النحل " عند قوله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [ النحل : 120 ] .
فصل في المراد بالأمة ، وهل كانوا على الحق ؟ ومتى اختلفوا ؟
واختلف المفسِّرُون على خمسة أقوالٍ :
القول الأول : أنهم كانوا على الحقِّ ، وهو قول أكثر المحققين ؛ قال القفَّالُ{[3227]} : لأَنَّهُ تعالى قال بعده : { فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } ف " الفاء " في قوله : " فَبَعَثَ اللَّهُ " تَقْتَضِي أنْ يكونَ بعثهم بعد الاختلافِ ، فلو كانوا قبل ذلك أمة واحدة في الكفر لكانت بعثة الرسل قبل الاختلاف أولى ؛ لأَنَّهُم لما بعثوا ، وبعضُ الأُمَّة محقٌّ وبعضهم مُبطلٌ فلأَنْ يبعثوا عند كون الجميعِ على الكفر أولى .
وأيضاً فإن آدم - عليه السَّلام - لما بُعِث إلى أولاده ، كانوا مُسلمين مطيعين ، ولم يحدث بينهم اختلافٌ في الدِّين ، إلى أَنْ قتلَ قَابيلُ هابيل ؛ بسبب الحسدِ والبَغِي ، وهذا ثابتٌ بالتواتر ، فإِنَّ الناس - وهم : آدَمَ وَحَوَّاء ، وأولادهما - كانوا أُمَّةً واحدةٌ على الحق ، ثُم اختلفُوا ؛ بسبب البغي ، والحسد ، كما حكى الله تعالى عن ابني آدم بالحق { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ }
[ المائدة : 27 ] وأيضاً قوله - عليه السلام - : " كُلُّ مَوْلُودٍ يولَدُ على الفِطْرة ؛ فأَبواهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يُنصرانه أو يُمَجِّسانه " فدلَّ ذلك على أَنَّ المولود لو تُرِك مع فِطْرته الأَصلية ، لما كان على شَيْءٍ من الأَدْيان الباطلة ، وأَنَّه إِنَّما يُقدمُ على الدين الباطل ، لأسبابٍ خارجية .
وقال الكلبيُّ{[3228]} : هُم أهلُ سفينةِ نُوح ، لما غرقت الأرض بالطوفانِ ، لم يَبْقَ إلاَّ أَهْلُ السفينة على الحق ، والدِّين الصَّحيح ، ثم اختلفُوا بعد ذلك ؛ وهذا مما ثَبَتَ بالتَّواتر .
وقال مُجاهدٌ : أراد آدَمَ وحده ، وكان أُمَّةً واحدة ، وسَمَّى الواحد بلفظ الجمع ؛ لأَنَّهُ أَصلُ النّسل ، وأبُو البشر ، وخلق اللَّهُ منه حَوَّاءَ ، ونشر منها{[3229]} الناس .
قال قتادةُ وعكرمةُ : كان الناسُ مِنْ وقت آدمَ إلى مبعث نُوح ، وكان بينهما عشرةُ قرون كُلُّهم على شريعةٍ واحدةٍ من الحق ، والهُدَى ، ثم اختلفُوا في زمن نوح - عليه السلام - فبعث اللَّهُ إليهم نُوحاً ، وكان أَوَّل بني بُعثَ{[3230]} .
وحَكَى القرطبيُّ{[3231]} : قال ابنُ أبي خيثمة : منذ خلق اللَّهُ آدم - عليه السلام - إلى أن بعث اللَّه محمداً - صلى الله عليه وسلم - خمسةُ آلافِ سنة وثمانمائة سنة ، وقيل : أكثر من ذلك ، وكان بينه وبين نُوحٍ ألفُ سنة ومائتا سنة ، وعاش آدم تسعمائة وستين سنة ، وكان الناس في زمانه أمةً واحدة ، على مِلَّةٍ واحدة متمسكين بالدِّين ، تُصافحُهم الملائكة ، ودَامُوا على ذلك إلى أَن رُفِعَ إدريس - عليه السلام - فاختلفُوا .
قال{[3232]} : وهذا فيه نظر ؛ لأَنَّ إدريس بعد نُوحٍ على الصحيح .
وقيل : كان العربُ على دين إبراهيم إلى أَنْ غيّره عمرو بن لُحَيٍّ .
وروى أبو العالية ، عن أُبِيٍّ بن كعبٍ قال : " كان النَّاسُ حين عُرِضُوا وأُخرِجُوا مِنْ ظَهْرِ آدَمَ ، وأَقرُّوا أُمَّةً واحدة مُسْلِمين كلهم ، ولم يكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً قَطّ غيرَ ذلك اليومِ ، ثم اختَلَفُوا بعد آدَمَ{[3233]} " .
القول الثاني : أَنَّهُم كانُوا أُمَّةً واحدة في الكُفر ، وهو قولُ ابنِ عَبَّاسٍ ، وعطاء ، والحسن{[3234]} .
وقال الحسن وعطاء : كان الناس من وَقْتِ وَفَاةِ آدمَ إلى مبعثِ نُوحٍ أُمَّةً واحدة على مِلَّةِ الكُفرِ ؛ أَمثَال البَهَائِم ، فَبَعثَ اللَّه إبراهيم - عليه السَّلام - وغيرهُ من النبيين{[3235]} ، واستدلُّوا بقوله : { فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } وهو لاَ يَليقُ إلا بذلك .
وجوابه ما بينا : أَنَّ هذا لا يليقُ بضده ، ثم اختلف القائلُون بهذا القول : مَتَى كانوا مُتّفقين على الكُفر على ما قَدَّمنا ثُمَّ سأَلُوا أَنفسهم سُؤالاً وقالوا : أليس فيهم مَنْ كان مُسْلماً كهابيل ، وشيث ، وإدريس .
وأجابوا : بِأنَّ الغالب كان هو الكُفْر ، والحُكْمُ للغالب ، ولا يعتدُّ بالقليل في الكثير كما لا يعتدُّ بالشعير القليل في البر الكثير ، فقد يقال : دار الإسلام ، وإِنْ كان فيها غيرُ المسلمين ، ودارُ الحرب وإن كان فيها مُسلمون .
الثالث : قال أبو مُسلمٍ{[3236]} : كانوا أُمَّةً واحدة في التمسُّك بالشرائع العقلية ، وهي الاعترافُ بوجود الصانع ، وصِفاتِهِ ، والاشتغالُ بخدمته ، وشُكْرِ نعمه ، والاجتناب عن القبائح العقليَّة كالظُّلم ، والكذب ، والجهل ، والعبث ، وأمثالها .
واحتجَّ القاضي{[3237]} على صِحَّةِ قوله : بِأَنَّ لفظ النَّبيين يفيدُ العُمُومَ والاستغراقَ ، وحرف " الفاء " يُفيدُ التَّراخي ، فقوله { فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ } يفيد أنَّ بعثةَ الأنبياء كانت مُتأخرة عن كون الناس أُمَّةً واحدة ، فتلك الواحدةُ المتقدمةُ على بعثة جميع الشرائع ، لا بُدَّ وأَنْ تكون واحدة في شرعة غير مُسْتفَادةٍ من الأَنبياء فواجب أن تكون في شريعة مستفادة من العقل وذلك ما بَيَّنَّاهُ ، وأيضاً فالعلم بحسن شُكر المُنْعِم{[3238]} ، وطاعة الخالق ، والإحسان إلى الخَلْقِ ، والعَدلُ ؛ مُشْتَركٌ فيه بين الكُلّ ، والعِلْمُ يُقبح الكذب ، والظِّلم ، والجهْل ، والعبث ، وأمثالها مشترك فيه بين الكل ، فالأظهر أَنَّ الناس كانُوا في أَوَّل الأمر على ذلك ، ثم اختلفُوا بعد ذلك ؛ لأَسباب منفصلة ، ثم قال : فإنْ قيل : أليس أوَّل الإسلام آدَم - عليه الصلاة والسلام - مع أولاده كانوا مُجتمعين على التَّمسك بالشرائع العقلية أَوَّلاً ، ثم إِنَّ اللَّهَ تعالى بعثهُ بعد ذلك إلى أولاده ، ويُحْتَملُ أَنْ صار شرعُهُ مندرِساً بعد ذلك ، ثم رجع الناسُ إلى الشرائعِ العقلية ؟
قال ابنُ الخطيب{[3239]} : وهذا القولُ لا يصحُّ إلاَّ بعد تحسين العقل ، وتقبيحه ، والكلام فيه مشهور .
القول الرابع : أنَّ الآية دلَّت على أَنَّ الناس كانوا أُمَّةً واحدة ، وليس فيها أَنَّهم كانوا على الإيمان ، أو على الكُفر ، فهو موقوفٌ على الدَّليل{[3240]} .
القول الخامس : أَنَّ المراد ب " النَّاسِ " هنا أهْلُ الكتاب مِمَّن آمَنَ بِمُوسَى - عليه السلام - وذلك لأَنَّا بينا أَنَّ هذه الآية متعلقةٌ بما تقدم من قوله : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } [ البقرة : 208 ] وذكرنا أَنَّ كثيراً من المفسرين زعمُوا أَنْ تلك الآية نزلت في اليهودِ ؛ فقوله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : كان الذين آمنوا بموسى أُمَّةً واحدة على دين واحدٍ ، ثم اختلفُوا بسبب البغي ، والحسد ؛ فبعثَ الله النبيِّين ، وهم الذين جاءُوا بعد موسى - عليه السلام - وأنزل معهم الكتاب كما بُعِث الزبور إلى دواد ، والإنجيل إلى عيسى ، والفرقانُ إلى محمد - عليه الصلاة والسلام - لتكون تلك الكتب حاكمةً عليهم في تلك الأشياء التي اختلفوا فيها ، وهذا القولُ مطابقٌ لنظم الآية ، وموافقٌ لما قبلها وما بعدها ، وليس فيه إشكالٌ إلاَّ أَنَّ تخصيص لفظ الناس بقومٍ معينين خلاف الظَّاهر ، ويُعتذَرُ عنه بأن الألفَ واللاَّمَ كما تكون للاستغراق ، فقد تكونُ أيضاً لِلْعَهد .
قال القرطبيُّ{[3241]} : لفظة " كَانَ " على هذه الأقوال على بابها من المُضِيّ المنقضي ، وكل من قدّر الناسَ في الآية مُؤمنين قدّر في الكلام : فاختلفُوا ، فبعث اللَّه ، ويدُلُّ على هذا الحذف قوله : { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ } وكل مَنْ قَدَّرهم كُفَّاراً كانت بعثهُ النبيين إليهم ، ويحتملُ أن تكونَ " كان " لِلثّبُوت ، والمرادُ الإخبارُ عن الناس الذين هم الجِنْس كله : أنهم أمةٌ واحدةٌ من خُلُوِّهم عن الشرائع ، وجهلهم بالحقائق لولا أَنَّ اللَّهَ تعالى مَنَّ عليهم بالرسُل ؛ تفضلاً منه ؛ فعلَى هذا لا تختصُّ " كان " بالمُضِيِّ فقط ، بل يكونُ مَعناها كقوله تعالى : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 96 ] وقوله : { فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ } قال بعضُ المفسرين{[3242]} : وجملتهم مائةٌ وأربعةُ وعشرون ألفاً ، والرسل منهم ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر ، والمَذكُور في القرآنِ بأسمائِهم : ثمانيةَ عشر نَبِيّاً .
قوله تعالى : " مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرينَ " حالان من " النَّبِيِّينَ " . قيل : وهي حالٌ مُقارنةٌ ؛ لأنَّ بعثَهُم كان وقت البشارةِ والنِّذارةَ وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ البِشَارةَ والنِّذَارةَ [ بعدَ البعث . والظاهرُ أنها حالٌ مُقَدِّرَةٌ ، وقد تقدَّمَ معنى البشارة والنذارةِ ] في قوله : { أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ } [ يونس : 2 ] .
وقوله : " وَأَنْزَلَ مَعهُمُ " هذا الظرفُ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مُتعلِّقٌ بأنزل . وهذا لا بُدَّ فيه مِنْ تأويل ؛ وذلك أَنَّه يلزمُ مِنْ تعلُّقِه بأنزل أَنْ يكون النبيون مصاحبين للكتاب في الإِنزال ، وهم لا يُوصَفُون بذلك ؛ لعدمه فيهم .
وتأويلُهُ : أنَّ المراد بالإِنزال الإِرسالُ ، لأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عنه ، كأنَّهُ قيل : وأرسل معهم الكتاب فتصحُّ مشاركتهم له في الإِنزالِ بهذا التَّأويل .
والثاني : أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ ، على أنه حالٌ من الكتاب ، وتكونُ حالاً مُقدرةً ، أي : وأنزل مقدِّراً مصاحبته إياهم ، وقدَّره أبو البقاء{[3243]} بقوله : " شَاهِداً لَهُمْ وَمُؤيِّداً " ، وهذا تفسيرُ معنىً لا إعرابٍ .
والألِفُ واللامُ في " الكِتَابِ " يَجُوزُ أَنْ تكونَ للعهدِ ، بمعنى أَنَّه كتابٌ معينٌ ؛ كالتوراة مثلاً ، فإنها أنزِلت على مُوسى ، وعلى النَّبيِّين بعده ؛ بمعنى أنَّهَم حَكَموا بها ، واستدامُوا على ذلك ، وأَنْ تكونَ للجنس ، أي : أنزل مع كلِّ واحدٍ منهم من هذا الجنس .
قال القاضي{[3244]} : ظاهرُ الآيةِ يدلُّ على أَنَّه لا نَبيَّ إِلاَّ ومعه كتابٌ ، أنزل فيه بيانُ الحق : طال ذلك الكتابُ ، أم قصُرَ ، ودُوِّنَ ، أَو لَمْ يُدَوَّن ، وكان ذلك الكتابُ مُعجزاً ، أَمْ لم يكن .
وقيل : هو مفردٌ وُضِعَ موضع الجمع : أي وأَنزلَ معهم الكُتُبَ ، وهو ضعيفٌ .
وهذا الجُملة معطوفةٌ على قوله : " فَبَعَثَ " ولا يُقالُ : البشارةُ والنِّذارةُ ناشئةٌ عن الإِنزال فكيف قُدِّما عليه ؟ لأَنَّا لا نُسَلِّم أنَّهما إنما يَكُونان بإنزال كتابٍ ، بل قد يكونان بوحي من اللَّهِ تعالى غير مَتلُوٍّ ولا مكتُوبٍ . ولئن سَلَّمنا ذلك ، فإنَّما قُدِّما ، لأنهما حالان من " النَّبيِّينَ " فالأَوْلَى اتِّصالهما بهم .
قوله : " بالحقِّ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أن يكون متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الكتاب - أيضاً - عند مَنْ يُجَوِّزُ تعدُّدَ الحال ، وهو الصحيحُ .
والثاني : أَنْ يتعلَّق بنفس الكتاب ؛ لما فيه من معنى الفعلِ ، إذ المرادُ به المكتوبُ .
والثالث : أَنْ يتعلَّقَ بأنزلَ ، وهذا أولى ؛ لأنَّ جعله حالاً لا يَسْتَقِيم إِلاَّ أَنْ يكونَ حالاً مُؤكدةً ، إِذْ كُتُبُ اللَّهِ تعالى لا تكون ملتبسةً بالحقِّ ، والأصلُ فيها أَنْ تكونَ مْستقلَّةً ولا ضرورة بنا إلى الخروج عن الأصل ، ولأنَّ الكتاب جارٍ مَجرى الجوامد .
قوله : " لِيَحْكُمَ " هذا القول متعلقٌ بقوله : " أَنْزَلَ " : واللامُ لِلْعلة ، وفي الفاعل المضمر في " لِيَحْكُمْ " ثلاثةُ أقوال :
أحدها : وهو أظهرها ، أنه يعودُ على اللَّهِ تعالى : لتقدُّمه في قوله : " فَبَعَثَ اللَّهُ " ولأنَّ نسبة الحُكْم إليه حقيقةٌ ، ويؤيِّده قراءةُ الجحدري{[3245]} فيما نقله عنه مكّي " لِنَحْكُمَ " بنون العظمة ، وفيه التفاتٌ من الغيبة إلى التكلُّم . وقد ظَنَّ ابنُ عطية أن مكياً غلط في نقل هذه القراءة عنه ، وقال : إنَّ الناسَ رَوَوْا عن الجَحْدَري : " لِيُحْكَمَ " على بناءِ الفعل للمفعول وفي " النُّورِ " موضعين هنا ، وفي " آل عمران " ولا ينبغي أن يُغَلِّطه ؛ لاحتمال أَنْ يكون عنه قراءتان .
والثاني : أنه يعودُ على " الكِتاب " أي : ليحْكُم الكتابُ ، ونسبةُ الحُكْم إليه مجازٌ ؛ كنسبةِ النُّطق إليه في قوله تعالى : { هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ } [ الجاثية : 29 ] .
وقوله : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ }
ونسبةُ القضاءِ إليه في قوله : [ الكامل ]
ضَرَبَتْ عَلَيْكَ العَنْكَبُوتُ بِنَسْجِهَا *** وَقَضَى عَلَيْكَ بِهِ الْكِتَابُ المُنْزَلُ{[3246]}
ووجهُ المجاز : أنَّ الحُكم فيه ؛ فنُسب إليه ، وقيل : إنه يعود على النَّبيِّ ، واستضعفه أبو حيَّان من حيثُ إفرادُ الضمير ، إذ كان ينبغي على هذا أن يجمع ؛ ليطابق " النَّبيِّينَ " . ثُمَّ قال : وَمَا قاله جائِزٌ عَلَى أن يَعُودَ الضميرُ على إفراد الجمع ، على معنى : لِيَحْكُمَ كُلُّ نَبِيٍّ بكتابه .
و " بَيْنَ " مُتَعلِّقٌ ب " يَحْكُمَ " . والظَّرفيةُ هنا مجازٌ . وكذلك " فِيمَا اخْتَلَفُوا " مُتعلقٌ به أيضاً . و " مَا " موصولةٌ ، والمرادُ بها الدِّينُ ، أي : ليحكم اللَّهُ بين الناسِ في الدِّين ، بعد أَنْ كانُوا مُتفقين عيه . ويضعُفُ أَنْ يْرَادَ ب " ما " النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنها لغير العقلاء غالباً . و " فِيهِ " متعلِّقٌ ب " اخْتَلَفُوا " ، والضميرُ عائدٌ على " ما " الموصولة .
قوله : { وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ } الضميرُ في " فِيهِ " فيه أوجهٌ .
أظهرها : أنه عائدٌ على " ما " الموصولةِ أيضاً ، وكذلك الضميرُ في " أُوتُوهُ " وقيل : يعودان على الكتاب ، أي : وما اختلف في الكتابِ إِلاَّ الَّذين أُوتُوا الكتاب . وقيل : يعودان على النبيِّ ، قال الزَّجَّاجُ{[3247]} : أي : وما اختلف في النبيّ إِلاَّ الذين أُوتُوا عِلْمَ نبوَّته . وقيل : يعودُ على عيسى ؛ للدلالة عليه .
وقيل : الهاءُ في " فِيهِ " تعود على " الحقِّ " وفي " أوتُوه " تعود على " الكتاب " أي : وما اختلف في الحقِّ إِلاَّ الذين أُوتُوا الكتاب .
والمراد باختلافهم يحتملُ معنيين :
أحدهما : تكفير بعضهم بعضاً ؛ كقول اليهود :
{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ } [ البقرة : 113 ] أو قولهم { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [ النساء : 150 ] والآخر : تحريفهم وتبديلهم ، وهذا يدُلُّ على أَنَّ الاختلاف في الحقِّ لم يُوجد إِلاَّ بعد بعثة الأنبياء ، وإنزالِ الكتابِ ، وذلك يُوجِبُ أَنَّ قبل البعثة لم يكن الاختلاف في الحقِّ حاصلاً ، بل كان الاتفاق في الحق حاصلاً وهو يدل على أَنَّ قوله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } معناه أمه واحدة في دِينِ الحَقِّ .
وقوله : " مِنْ بعدِ " فيه وجهان :
أحدهما وهو الصحيحُ : أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ تقديره : اختلفوا فيه من بعد .
والثاني : أن يتعلّق ب " اخْتَلَفَ " الملفوظ به ، قال أبو البقاء{[3248]} : ولا تمنعُ " إلاَّ " من ذلك ، كما تقول : " ما قام إلاَّ زيدٌ يومَ الجُمُعَةِ " . وهذا الذي أَجازه أبُو البقاء ، فيه كَلاَمٌ كثيرٌ للنُّحاة ، وملخَّصُه : أَنَّ " إِلاَّ " لا يُستَثْنَى بها شيئان دُونَ عطفٍ أَوْ بدليةٍ ؛ وذلك أنَّ " إلاَّ " معدِّيةٌ للفعل ، ولذلك جاز تعلُّقُ ما بعدها بما قبلها ، فهي كواو مَعَ وهمزة التعدية ، فكما أَنَّ واو " مع " وهمزة التَّعدية ، لا يُعَدِّيان الفعل لأكثرَ من واحدٍ ، إلاَّ مع العطفِ ، أو البدليةِ كذلك " إِلاَّ " وهذا هو الصَّحِيحُ ، وإنْ كان بعضهم خالف . فإن وَرَدَ من لسانهم ما يوهم جواز ذلك يُؤَوَّل ، فمنه قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ } [ يوسف : 109 ] .
ثم قال " بِالْبَيِّناتِ " فظاهر هذا أَنَّ " بالبيناتِ " مُتَعلِّقٌ بأرسلنا ، فقد استُثْنِي ب " إلاَّ " شيئان ، أحدهما " رِجَالا " والآخرُ " بالبينات " .
وتأويلهُ أنَّ " بالبَيِّناتَ " متعلِّقٌ بمحذوفٍ ، لئلا يلزم منه ذلك المحذورُ . وقد منع أبو الحسن ، وأبو عليّ : " مَا أخَذَ أَحَدٌ إِلاَّ زيدٌ دِرْهماً " و " ما ضربَ القومُ إلا بعضُهم بَعْضاً " واختلفا في تصحيحها ، فقال أبو الحسن : طريقُ تَصْحيحِها بأَنْ تُقَدِّم المرفوع الذي بعد " إِلاَّ " عليها ، فيقال : ما أخذَ أحدٌ زيدٌ إلا دِرْهَماً ، فيكونُ " زيدٌ " بدلاً من " أَحَدٌ " و " دِرْهَماً " مستثنى مفرغٌ من ذلك المحذوف ، تقديره : " ما أخذ أَحَدٌ زيدٌ شيئاً إلا دِرْهماً " .
وقال أبو عليٍّ : طريقُ ذلك زيادةُ منصوبةٍ في اللَّفظ فيظهرُ ذلك المقدَّرُ المستثنى منه ، فيقال : " ما أَخَذَ أحدٌ شيئاً إلا زيدٌ درهماً " فيكونُ المرفوع بدلاً من المرفوع ، والمنصوبُ بدلاً من المنصُوب ، وكذلك : ما ضَرَبَ القومُ أحداً إِلاَّ بعضُهم بعضاً .
وقال أبو بكر بن السَّرَّاج : تقولُ " أَعْطَيْتُ الناسَ دِرْهماً إلا عَمْراً " [ جائِزٌ . ولو قُلْتَ : " أعطيتُ الناسَ دِرْهَماً إلا عَمْراً ] الدنانير لم يَجُزْ ، لأنَّ الحرف لا يُسْتثنى به إِلاَّ واحِدٌ . فإنْ قُلْتَ : " ما أَعْطَيْتَ الناسَ دِرْهَماً إِلاَّ عَمْراً دَانِقاً " [ على الاستثناء لم يَجُزْ ، أَوْ على البدلِ جاز فَتُبدل " عمراً " من النَّاسِ ، و " دانِقاً " من " دِرْهماً " .
كأنك قُلتَ : " ما أعطيتُ إلاَّ عَمْراً دانقاً ] يعني أنَّ الحصرَ واقعٌ في المفعولين .
قال بعض المُحقِّقين : " وما أجازه ابن السراج من البدل في هذه المسألة ، ضعيفٌ ؛ وذلك أنَّ البدلَ في الاستثناء لا بُدَّ مِنْ مُقارنتِهِ ب " إلاَّ " ، فَأَشْبَهَ العطف ، فكما أَنَّهُ لا يقعُ بعد حرف العطف معطوفانِ ، لا يقعُ بعد إلاَّ بَدَلاَنِ " .
فإذا عُرِفَ هذا الأصلُ ، وما قال الناسُ فيه ، كان إعرابُ أَبِي البقاء في هذه الآيةِ الكريمة ، مِنْ هذا الباب ؛ وذلك أنه استثناءٌ مفرَّغٌ ، وقد وقع بعدَ " إلاَّ " الفاعلُ ، وهو " الَّذِينَ " ، والجارُّ والمَجرُور ، وهو " مِنْ بعد " ، والمفعولُ مِنْ أَجلِهِ ، وهو " بَغياً " فيكونُ كلٌّ منهما محصوراً . والمعنى : وما اختلفَ فيه إلا الذين أُوتوه إلاَّ منْ بعد ما جَاءَتْهُم البيناتُ إلا بَغياً . وإذا كان التقديرُ كذلك ، فقد استُثْنِي ب " إلاَّ " شيئان دُونَ الأولِ الذي هو فاعلٌ مِنْ غير عطف ولا بدليةٍ وهي مسألةٌ يكثر دورها ؟
قوله : " بَغْياً " في نصبه وجهان :
أظهرهما : أنه مفعولٌ من أجله ، لاستكمال الشُّرُوط ، وهو علةٌ باعثةٌ ، والعامِلُ فيه مُضمرٌ على ما اخترناه ، وهو الذي تُعلِّقُ به " فِيهِ " ، و " اخْتَلَفَ " الملفوظُ به عند من يرى أنَّ " إلاَّ " يُستثنى بها شيئان .
والثاني : أنه مصدرٌ في محلِّ حالٍ ، أي : باغين ، والعامِلُ فيها ما تقدَّمَ . و " بينهم " متعلقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنه صِفَةٌ ل " بَغْياً " أي : بَغْياً كائناً بينهم .
قوله : { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } يقتضي أَن يكون إيتاءُ اللَّهِ تعالى إيَّاهم الكتاب كان بعد مجيء الآيات البَيِّنات ، فتكونُ هذه البينات مُغايرةً - لا محالة - لإِيتاءِ الكتاب ؛ وهذه البيناتُ لا يمكن حملها على شيءٍ سوى الدلائل العقليَّة التي نصبها اللَّهُ - تعالى - على إثبات الأُصول التي لا يمكن القول بالنبوة إلاَّ بعد ثُبوتها ؛ وذلك لأَنَّ المتكلِّمين يقولون{[3249]} : كلُّ ما لا يصحُّ إثباتُ النبوة إلاَّ بثبوته ، فذلك لا يمكن إثباته بالدلائل السَّمعيَّة ، وإلاَّ وقع الدور .
وقال بعض المفسرين{[3250]} : المراد " بالبيناتِ " صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتبهم .
قول فهدى اللَّهُ الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق " لِما " متعلِّقٌ ب " هَدَى " و " ما " موصولةً ومعنى هذا أي : أرشد إلى ما اختلفوا فيه ؛ كقوله تعالى : { يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } [ المجادلة : 3 ] ، أي : إلى ما قالوا . ويقال : هديته الطريق وللطريق وإلى الطريق والضمير في " اخْتلفُوا " عائدٌ على " الذين أُوتُوه " وفي " فِيهِ " عائدٌ على " ما " ، وهو متعلِّقٌ ب " اخْتَلَفَ " .
و " مِن الحَقِّ " مُتَعلِّقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنه في موضعِ الحالِ من " ما " في " لمِا " و " مِنْ " يجوزُ أَنْ تكونَ للتبعيض ، وأَنْ تكونَ للبيانِ عند مَنْ يرى ذلك ، تقديره : الذي هو الحقّ .
وأجاز أبو البقاء{[3251]} أَنْ يكونَ " مِنَ الحقِّ " حالاً من الضمير في " فيه " ، والعامِلُ فيها " اختلفوا " فإن قيل لم قال هداهم فيما اختلفُوا فيه ، وعساهُ أن يكون غير حقٍّ في نفسه قال : " والقَلْبُ في كتابِ اللَّهِ دُونَ ضرُورةٍ تدفعُ إليه عَجْزٌ وسُوءُ فَهْمٍ " انتهى .
قال شهاب الدِّين : وهذا الاحتمالُ الذي جعله ابنُ عطية حاملاً للفرَّاءِ على ادِّعاء القلب ، لا يُتوهَّمُ أصلاً .
أحدهما : أَن يتعلَّقَ بمحذوفٍ ، لأنه حالٌ من " الَّذِينَ آمَنُوا " ، أي : مأذوناً لهم .
والثاني : أَنْ يكون متعلِّقاً بهدى مفعولاً به ، أي : هداهم بأمره .
قال الزَّجَّاج{[3252]} : المراد من الإذن - هنا - العلم ، أي : بعلمه ، وإرادته فيهم ، وقيل بأمره ، أي : حصلت الهداية بسبب الأمر ؛ كما يقال : قطعت بالسِّكِّين .
وقيل{[3253]} : لا بُدَّ فيه مِنْ إضمار ، تقديره : هداهم فاهتدوا بإذنه .
فصل فيما اختلف فيه أهل الكتاب وهدانا الله إليه
قال ابن زيدٍ : هذه الآية في أهل الكتاب ، اختلفوا في القبلة فصلّت اليهود إلى بيت المقدس ، والنصارى إلى المشرق ؛ فهدانا اللَّهُ للكعبة ، واختلفوا في الصيام ؛ فهدانا الله لشهر رمضان واختلفوا في الأَيام ، فأخذت اليهودُ السَّبت ، والنَّصارى الأحد ؛ فهدانا اللَّهُ للجمعة ، واختلفوا في إبراهيم ، فقالت اليهود : كان يهوديّاً ، وقالت النصارى : كان نصرانيّاً . فقلنا : إِنَّه كان حنيفاً مسلماً ، واختلفوا في عيسى : فاليهود فرَّطُوا ، والنَّصارى أفرطوا ؛ فهدانا اللَّهُ للحقِّ فيه{[3254]} .
فصل في احتجاج بعضهم بالآية على أن الإيمان مخلوق والرد عليه
تمسَّك بعضهم{[3255]} بهذه الآية على أَنَّ الإيمان مخلوقٌ لله تعالى ، وهو ضعيفٌ ؛ لأن الهداية غير الاهتداء كما أَنَّ الهداية إلى الإيمان غير الإيمان ، وأيضاً فإنه قال في آخر الآية : " بِإِذْنِهِ " ولا يمكن صرف هذا الإذن إلى قوله : " فَهَدَى اللَّهُ " إذ لا جائز أن يأذن لنفسه ، فلا بُدَّ من إضمار لصرف الإذن إليه ، والتقدير : " فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لمَا اخْتَلَفُوا فيه مِنَ الحَقِّ - فاهتدوا - بِإِذْنِهِ " وإذا كان كذلك ، كانت الهداية مغايرةً للإِهتداء .
احتج الفقهاء بهذه الآية على أَنَّ الله - تعالى - قد يخصُّ المؤمن بهداياتٍ لا يفعلها في حقِّ الكافر .
أحدها : أنهم اختصُّوا بالاهتداء ، فهو كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] ثم قال { هُدًى لِّلنَّاسِ } [ البقرة : 185 ] .
وثانيها : أن المراد الهداية إلى الثواب وطريق الجنَّة .
وثالثها : هداهم إلى الحقِّ بالأَلطافِ .
قوله : { وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } والكلام فيها مع المعتزلة كالتي في قبلها .