فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ} (213)

قوله : { كَانَ الناس أُمَّةً واحدة } أي : كانوا على دين واحد فاختلفوا : { فَبَعَثَ الله النبيين } ويدل على هذا المحذوف : أعني قوله : فاختلفوا قراءة ابن مسعود فإنه قرأ { كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين } . واختلف في الناس المذكورين في هذه الآية من هم ؟ فقيل : هم بنو آدم . حين أخرجهم الله نسماً من ظهر آدم ؛ وقيل : آدم وحده ، وسمي ناساً ؛ لأنه أصل النسل ، وقيل : آدم وحواء . وقيل : المراد القرون الأولى التي كانت بين آدم ونوح . وقيل : المراد : نوح ومَنْ في سفينته ، وقيل : معنى : الآية كان الناس أمة واحدة كلهم كفار فبعث الله النبيين ؛ وقيل : المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم كانوا أمة واحدة في خلوّهم عن الشرائع ، وجهلهم بالحقائق ، لولا أن الله مَنَّ عليهم بإرسال الرسل ، والأمة مأخوذة من قولهم أممت الشيء : أي : قصدته ، أي : مقصدهم واحد غير مختلف . قوله : { فَبَعَثَ الله النبيين } قيل : جملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر . وقوله : { مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ } بالنصب على الحال .

وقوله : { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب } أي الجنس . وقال ابن جرير الطبري : إن الألف واللام للعهد والمراد التوراة . وقوله { لِيَحْكُمَ } مسند إلى الكتاب في قول الجمهور ، وهو : مجاز مثل قوله تعالى : { هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق } [ الجاثية : 29 ] وقيل : إن المعنى ليحكم كل نبيّ بكتابه ، وقيل : ليحكم الله ، والضمير في قوله : { فِيهِ } الأولى راجع إلى «ما » في قوله : { فِيمَا اختلفوا فِيهِ } والضمير في قوله : { وَمَا اختلف فِيهِ } يحتمل أن يعود إلى الكتاب ، ويحتمل أن يعود إلى المُنَزَّل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله الزجاج ؛ ويحتمل أن يعود إلى الحق ، وقوله { إِلاَّ الذين أُوتُوهُ } أي : أوتوا الكتاب ، أو أوتوا الحق ، أو أوتوا النبيّ : أي : أعطوا علمه . وقوله : { بَغْياً بَيْنَهُمْ } منتصب على أنه مفعول به ، أي لم يختلفوا إلا للبغي : أي الحسد والحرص على الدنيا ، وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم ، والقبح الذي وقعوا فيه ؛ لأنهم جعلوا نزول الكتاب سبباً في شدّة الخلاف .

وقوله : { فَهَدَى الله الذين ءامَنُوا لِمَا اختلفوا فِيهِ مِنَ الحق بإذنه } أي : فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الحق ، وذلك بما بينه لهم في القرآن من اختلاف من كان قبلهم .

وقيل : معناه : فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للتصديق ، بجميع الكتب بخلاف مَنْ قبلهم ، فإن بعضهم كذَّب كتاب بعض ؛ وقيل : إن الله هداهم إلى الحق من القبلة . وقيل : هداهم ليوم الجمعة . وقيل : هداهم لاعتقاد الحق في عيسى بعد أن كذّبته اليهود ، وجعلته النصارى رباً ، وقيل : المراد بالحق : الإسلام . وقال الفراء : إن في الآية قلباً ، وتقديره : فهدى الله الذين آمنوا بالحق لما اختلفوا فيه ، واختاره ابن جرير ، وضعَّفه ابن عطية . وقوله : { بِإِذْنِهِ } . قال الزجاج : معناه بعلمه . قال النحاس : وهذا غلط ، والمعنى بأمره .

/خ213