الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

أخرج الطيالسي والترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : " خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ، ففعل ونزلت هذه الآية { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا . . . } الآية . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز " .

وأخرج ابن سعد وأبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا ، وكان يطوف علينا يوميا من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها ، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت ، وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله يومي هو لعائشة . فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة : فأنزل الله في ذلك { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا . . . } الآية " .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن المنذر عن عائشة { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا . . . } الآية . قالت : الرجل تكون عنده المرأة ليس مستكثرا منها يريد أن يفارقها ، فتقول : أجعلك من شأني في حل . فنزلت هذه الآية .

وأخرج ابن ماجه عن عائشة قالت : نزلت هذه الآية { والصلح خير } في رجل كانت تحته امرأة قد طالت صحبتها وولدت منه أولادا ، فأراد أن يستبدل بها ، فراضته على أن يقيم عندها ولا يقيم لها .

وأخرج مالك وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن رافع بن خديج . أنه كانت تحته امرأة قد خلا من سنها ، فتزوج عليها شابة فآثرها عليها ، فأبت الأولى أن تقر ، فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسير قال : إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة ، وإن شئت تركتك ؟ قالت : بل راجعني . فراجعها فلم تصبر على الأثرة ، فطلقها أخرى وآثر عليها الشابة ، فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا . . . } الآية .

وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن سعيد ابن المسيب . أن ابنة محمد بن مسلمة كانت عند رافع بن خديج ، فكره منها أمرا ، إما كبرا أو غيره ، فأراد طلاقها فقالت : لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فاصطلحا على صلح ، فجرت السنة بذلك ، ونزل القرآن { وإن امرأة خافت من بعلها . . . } الآية .

وأخرج ابن جرير عن عمر أن رجلا سأله عن آية ؟ فكره ذلك وضربه بالدرة ، فسأله آخر عن هذه الآية { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } فقال : عن مثل هذا فسلوا ، ثم قال : هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها ، فيتزوج المرأة الثانية يلتمس ولدها ، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز .

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وابن راهويه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن علي بن أبي طالب . أنه سئل عن هذه الآية فقال : هو الرجل عنده امرأتان ، فتكون إحداهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها ، فتصالحه على أن يكون عندها ليلة وعند الأخرى ليالي ولا يفارقها ، فما طابت به نفسه فلا بأس به ، فإن رجعت سوى بينهما .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر ، فيريد أن يتزوج عليها ، فيتصالحان بينهما صلحا على أن لها يوما ولهذه يومان أو ثلاثة .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال : تلك المرأة تكون عند الرجل لا يرى منها كثيرا مما يحب ، وله امرأة غيرها أحب إليه منها فيؤثرها عليها ، فأمر الله إذا كان ذلك أن يقول لها : يا هذه إن شئت أن تقيمي على ما ترين من الأثرة فأواسيك وأنفق عليك فأقيمي ، وإن كرهت خليت سبيلك ، فإن هي رضيت أن تقيم بعد أن يخبرها فلا جناح عليه ، وهو قوله { والصلح خير } يعني أن تخيير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : هو الرجل تكون تحته المرأة الكبيرة ، فينكح عليها المرأة الشابة ، ويكره أن يفارق أم ولده فيصالحها على عطية من ماله ونفسه ، فيطيب له ذلك الصلح .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : نزلت في أبي السنابل بن بعكك .

وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي سودة بنت زمعة .

وأخرج أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " .

وأخرج الحاكم عن كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا حرم حلالا " .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وأحضرت الأنفس الشح } قال : تشح عند الصلح على نصيبها من زوجها .

128