لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

صحبة الخلق بعضهم مع بعض إن تجردت عن حديث الحق فإنها تتعرض للوحشة والملامة ، وممازجة النفرة والسامة . فمَنْ أعرض عن الله بقلبه أعرض الخلْقُ عن مراعاة حقه ، وخرج الكافة عليه باستصغار أمره واستحقار قَدْرِه . ومَنْ رجع إلى الله بقلبه ، استوى له - في الجملة والتفصيل - أمرُه ، واتسع لاحتمال ما يستقبل من سوء خُلُقِ الخَلْق صدرُه فهو يسحب ذيلَ العفو على هَنَاتِ جميعهم ، ويُؤثِرُ الصلح بترك نصيبه وتسليم نصيبهم قال الله تعالى : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } .

واتضاعك في نفسك عن منافرة مَنْ يخاصمك أجدى عليك ، وأحرى لك من تطاولك على خصمك باغياً الانتقام ، وشهودِ مَالَكَ في مزية المقام . وأكثر المنافقين في أسْرِ هذه المحنة .

قوله تعالى : { وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ } : وشُحُّ النَفْس قيام العبد بحظِّه .

فلا محالة مَنْ حُجِبَ عن شهود الحق رُدَّ إلى شهود النَّفْس .

قوله تعالى : { وَإِن تُحْسِنُوا } : يعني يكن ذلك خيراً لكم . والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه .

{ وَتَتَّقُوا } : يعني عن رؤيتكم مقامَ أنفسكم ، وشهود قَدْرِكم ، يعني وأنْ تروا ربَّكم ، وتفنوا برؤيته عن رؤية قدْرِكم .

{ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } يعني إذا فنيتم عنكم وعن عملكم ، فكفى بالله عليماً بعد فنائكم ، وكفى به موجداً عقب امتحائكم .