فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

{ وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( 128 ) }

{ وإن امرأة } مرفوع بفعل يفسره { خافت } أي توقعت ما يخاف من زوجها وقيل معناه تيقنت ، وهو خطأ { من بعلها } أي زوجها ، والبعل هو السيد { نشوزا } دوام النشوز قاله الزجاج يعني ترفعا عليها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها { أو إعراضا } عنها بوجهه ، قال النحاس : الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد ، والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها .

{ فلا جناح عليكم } أي لا حرج ولا إثم على الزوج والمرأة قال أبو السعود : الجناح عن الزوج ظاهر لأنه يأخذ شيئا من قبلها ، والأخذ مظنة الجناح ، ومظنة أن يكون من قبيل الرشوة المحرمة ، وأما نفي الجناح عنها مع أن الذي هو من قبلها هو الدفع لا الأخذ فلبيان أن الصلح ليس من قبيل الرشوة المحرمة للمعطى والآخذ 1ه .

{ أن يصلحا } من المصالحة على قراءة الجمهور وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أي نشوز أو أي إعراض ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وظاهرها أنه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه إما بإسقاط التوبة أو بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر .

وقرأ الكوفيون { أن يصلحا } من الإصلاح والأول أولى لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين اثنين فصاعدا قيل تصالح الرجلان أو القوم لا أصلح .

{ بينهما صلحا } أي في القسمة والنفقة ، قال ابن عباس : فإن صالحته على بعض حقها جاز وإن أنكرت ذلك بعد الصلح كان ذلك لها ، ولها حقها { والصلح } لفظ عام يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف { خير } على الإطلاق أو خير من الفرقة أو من الخصومة أو من النشوز والإعراض ، وهذه الجملة اعتراضية قاله الزمخشري واللام في الصلح للجنس أو للعهد .

قد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس قال : خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية{[548]} ، قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز .

وأخرج أبو داود والحاكم وصححه البيهقي عن عائشة أن سبب نزول الآية هو قصة سودة المذكورة ، وأخرج البخاري وغيره عنها في الآية فقالت : الرجل يكون عند المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول أجعلك من شأني في حل فنزلت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لها بيوم سودة .

{ وأحضرت الأنفس الشح } أي شدة البخل ، وهذا إخبار منه سبحانه بأن الشح في كل واحد منهما بل في كل الأنفس الإنسانية كائن ، وأنه جعل كأنه حاضر لها لا يغيب عنها بحال من الأحوال ، وأن ذلك بحكم الجبلة والطبيعة فالرجل يشح بما يلزمه للمرأة من حسن العشرة وحسن النفقة ونحو ذلك ، والمرأة تشح على الرجل بحقوقها اللازمة للزوج فلا تترك له شيئا منها ، وشح الأنفس بخلها بما يلزمها أو يحسن فعله لوجه من الوجوه ، ومنه { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } عن ابن عباس : هواه في الشيء يحرص عليه والشح أقبح البخل وحقيقته الحرص على منع الخير .

{ وإن تحسنوا } أيها الأزواج الصحبة والعشرة { وتتقوا } ما لا يجوز من النشوز والإعراض في حق المرأة فإنها أمانة عندكم ، وقيل المعنى أن تحسنوا بالإقامة معها على الكراهة وتتقوا ظلمها والجور { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } فيجازيكم الله يا معشر الأزواج بما تستحقونه .


[548]:زاد المسير217/493.