السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحٗاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٞۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا} (128)

{ وإن امرأة } مرفوع بفعل يفسره { خافت } أي : توقعت { من بعلها } أي : زوجها { نشوزاً } أي : تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها كراهة لها ومنعاً لحقوقها { أو إعراضاً } بأن يقل محادثتها ومجالستها { فلا جناح عليهما } أي : الزوج والزوجة { أن يصلحا بينهما صلحاً } أي : في القسم والنفقة وهو أن يقول الزوج لها : إنك قد دخلت في السن وإني أريد أن أتزوّج امرأة شابة جميلة أوثرها عليك في القسم ليلاً ونهاراً فإن رضيتي بهذا فأقيمي وإن كرهت خليت سبيلك ، فإن رضيت كانت هي المحسنة ، ولا تجبر على ذلك وإن لم ترض بدون حقها كان على الزوج أن يوفيها حقها من القسم والنفقة ، أو يسرحها بإحسان ، فإن أمسكها ووفاها حقها مع كراهته فهو المحسن ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بضم الياء وسكون الصاد ولا ألف من أصلح بين المتنازعين ، والباقون بفتح الياء وفتح الصاد مع التشديد وألف بعدها وفتح اللام وفيه إدغام التاء في الأصل في الصاد ، وغلظ ورش اللام من يصالحا بخلاف عنه { والصلح } بأن يترك كل منهما حقه أو بعض حقه { خير } من الفرقة والنشوز والإعراض .

كما ( يروى أن سودة كانت امرأة كبيرة أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفارقها فقالت : لا تطلقني وإنما بي أن أبعث في نسائك وقد جعلت نوبتي لعائشة فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ) ثم بين سبحانه وتعالى ما جبل عليه الإنسان بقوله : { وأحضرت الأنفس الشح } أي : جبلت عليه فكأنها حاضرة لا تغيب عنه ، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها والتقصير في حقها ولا بنفسه بأن يمسكها ويقوم بحقها على ما ينبغي إذ الزوج لا يكاد يسمح بنفسه إذا كرهها وخصوصاً إذا أحب غيرها ، والشح أقبح البخل وحقيقته الحرص على منع الخير { وإن تحسنوا } أي : في عشرة النساء وإن كنتم كارهين { وتتقوا } أي : النشوز والإعراض ونقص الحق { فإنّ الله كان } أزلاً وأبداً { بما تعملون } أي : من الإحسان والخصومة { خبيراً } أي : عليماً به وبالغرض منه فيجازيكم عليه .