فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يوسف

عليه السلام

قيل هي مائة وإحدى عشرة آية

وهي مكية كلها ، وقيل نزلت ما بين مكة والمدينة وقت الهجرة . وقال ابن عباس في رواية عنه وقتادة : إلا أربع آيات . وأخرج النحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة يوسف بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج الحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع الزرقي : أنه خرج هو وابن خالته معاذ بن عفراء حتى قدما مكة ، وذكر قصة وفي آخرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهما سورة يوسف ، و{ اقرأ باسم ربك } ، ثم رجعا . وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس { أن حبراً من اليهود دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف ، فقال : يا محمد من علمكها ؟ قال : الله علمنيها ، فعجب الحبر لما سمع منه ، فرجع إلى اليهود ، فقال لهم : ( والله إن محمداً ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة ، فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة ، ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه فجعلوا سمعهم إلى قراءته لسورة يوسف فتعجبوا منه ، وأسلموا عند ذلك ) وأخرج الثعلبي عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( علموا أقاربكم سورة يوسف ، فإنه أيما مسلم تلاها أو علمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت ، وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلماً ) . وفي إسناده سلام بن سالم ، ويقال ابن سليم المدائني ، وهو متروك عن هارون بن كثير . قال أبو حاتم : مجهول ، وقد ذكر له الحافظ ابن عساكر متابعاً من طريق القاسم بن الحكم عن هارون بن كثير ، ومن طريق شبابة عن مجلز بن عبد الواحد البصري عن علي بن زيد بن جدعان ، وعن عطاء بن ميمون عن [ زر ] بن حبيش عن أبي بن كعب مرفوعاً فذكر نحوه ، وهو منكر من جميع طرقه . قال القرطبي : قال سعد بن أبي وقاص : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زماناً ، فقالوا : لو حدثتنا ، فنزل قوله تعالى : { الله نزل أحسن الحديث } قال : قال العلماء : وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة بألفاظ متباينة على درجات البلاغة . وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها ، فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ، ولا على معارضة غير المتكرر .

قوله : { الر } : قد تقدّم الكلام فيه في فاتحة سورة يونس ، والإشارة بقوله : { تِلْكَ } إلى آيات السورة ، و{ الكتاب المبين } : السورة ، أي : تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب وتبكيتهم . والمبين من أبان ، بمعنى بان ، أي : الظاهر أمره في كونه من عند الله وفي إعجازه ، أو المبين بمعنى : الواضح المعنى بحيث لا يلتبس على قارئه وسامعه ، أو المبين لما فيه من الأحكام .

/خ6