فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النحل

آياتها مائة آية وثمان وعشرون آية

وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ، ورواه ابن مردويه عن ابن عباس وعن أبي الزبير . وأخرج النحاس من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : سورة النحل نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد ، قيل وهي قوله : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) الآية ، وقوله : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد ، وقوله : ( ثم إن ربك للذين هاجروا ) الآية ، وقيل الثالثة ( ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً ) إلى قوله ( بأحسن ما كانوا يعملون ) وتسمى هذه السورة سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها .

قوله : { أتى أَمْرُ الله } أي : عقابه للمشركين . وقال جماعة من المفسرين : القيامة . قال الزجاج : هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم ، وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقيق وقوعه . وقيل : إن المراد بأمر الله : حكمه بذلك ، وقد وقع وأتى ، فأما المحكوم به فإنه لم يقع ، لأنه سبحانه حكم بوقوعه في وقت معين ، فقبل مجيء ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود ، وقيل : إن المراد بإتيانه : إتيان مباديه ومقدّماته { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } نهاهم عن استعجاله ، أي : فلا تطلبوا حضوره قبل ذلك الوقت ، وقد كان المشركون يستعجلون عذاب الله كما قال النضر بن الحارث { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] ، الآية . والمعنى : قرب أمر الله فلا تستعجلوه ، وقد كان استعجالهم له على طريقة الاستهزاء من دون استعجال على الحقيقة ، وفي نهيهم عن الاستعجال تهكم بهم . { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : تنزه وترفع عن إشراكهم ، أو عن أن يكون له شريك ، وشركهم هاهنا هو ما وقع منهم من استعجال العذاب ، أو قيام الساعة استهزاء وتكذيباً ، فإنه يتضمن وصفهم له سبحانه بأنه لا يقدر على ذلك ، وأنه عاجز عنه والعجز وعدم القدرة من صفات المخلوقات ، لا من صفات الخالق ، فكان ذلك شركاً .

/خ9