فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قَالُواْ سُبۡحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعۡتَهُمۡ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكۡرَ وَكَانُواْ قَوۡمَۢا بُورٗا} (18)

وجملة : { قَالُواْ سبحانك } مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، ومعنى سبحانك : التعجب مما قيل لهم لكونهم ملائكة ، أو أنبياء معصومين ، أو جمادات لا تعقل : أي تنزيهاً لك { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء } أي ما صح ، ولا استقام لنا أن نتخذ من دونك أولياء فنعبدهم ، فكيف ندعو عبادك إلى عبادتنا نحن مع كوننا لا نعبد غيرك ؟ والوليّ يطلق على التابع كما يطلق على المتبوع ، هذا معنى الآية على قراءة الجمهور { نتخذ } مبنياً للفاعل . وقرأ الحسن وأبو جعفر : { نتخذ } مبنياً للمفعول : أي ما كان ينبغي لنا أن يتخذنا المشركون أولياء من دونك . قال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر : لا تجوز هذه القراءة ، ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية . قال أبو عبيدة : لا تجوز هذه القراءة لأن الله سبحانه ذكر «من » مرتين ، ولو كان كما قرأ لقال : أن نتخذ من دونك أولياء .

وقيل : إن «من » الثانية زائدة ، ثم حكي عنهم سبحانه : بأنهم بعد هذا الجواب ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان ، فقال : { ولكن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَاءهُمْ حتى نَسُواْ الذكر } وفي هذا ما يدل على أنهم هم الذين ضلوا السبيل ، ولم يضلهم غيرهم ، والمعنى : ما أضللناهم ، ولكنك يا رب متعتهم ، ومتعت آباءهم بالنعم ، ووسعت عليهم الرزق ، وأطلت لهم العمر حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا موعظتك والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك وغرائب مخلوقاتك . وقرأ أبو عيسى الأسود القارىء " ينبغي " مبنياً للمفعول . قال ابن خالويه : زعم سيبويه أنها لغة ، وقيل المراد بنسيان الذكر هنا هو ترك الشكر { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي وكان هؤلاء الذين أشركوا بك ، وعبدوا غيرك في قضائك الأزليّ قوماً بوراً : أيْ هلكى ، مأخوذ من البوار وهو الهلاك : يقال : رجل بائر وقوم بور ، يستوي فيه الواحد والجماعة لأنه مصدر يطلق على القليل والكثير ، ويجوز أن يكون جمع بائر . وقيل البوار الفساد . يقال بارت بضاعته : أي فسدت ، وأمر بائر : أي فاسد ، وهي لغة الأزد . وقيل المعنى : لا خير فيهم ، مأخوذ من بوار الأرض وهو تعطيلها من الزرع ، فلا يكون فيها خير ، وقيل إن البوار الكساد ، ومنه بارت السلعة إذا كسدت .

/خ24