فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (114)

النجوى : السرّ بين الاثنين أو الجماعة ، تقول ناجيت فلاناً مناجاة ونجاء ، وهم ينتجون ويتناجون ، ونجوت فلاناً أنجوه نجوى ، أي : ناجيته ، فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه ، أي : خلصته وأفردته . والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله ، فالنجوى : المسارّة مصدر ، وقد تسمى به الجماعة ، كما يقال قوم عدل ، قال الله تعالى : { وَإِذْ هُمْ نجوى } [ الإسراء : 47 ] فعلى الأوّل يكون الاستثناء منقطعاً . أي : لكن من أمر بصدقة ، أو متصلاً على تقدير إلا نجوى من أمر بصدقة ، وعلى الثاني يكون الاستثناء متصلاً في موضع خفض على البدل من كثير ، أي : لا خير في كثير إلا فيمن أمر بصدقة . وقد قال جماعة من المفسرين : إن النجوى كلام الجماعة المنفردة ، أو الاثنين سواء كان ذلك سراً أو جهراً ، وبه قال الزجاج . قوله : { بِصَدَقَةٍ } الظاهر أنها صدقة التطوّع ، وقيل : إنها صدقة الفرض . والمعروف صدقة التطوّع ، والأوّل أولى . والمعروف لفظ عام يشمل جميع أنواع البرّ . وقال مقاتل : المعروف هنا القرض . والأوّل أولى ، منه قول الحطيئة :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس

ومنه الحديث : «كل معروف صدقة » «وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق » ، وقيل : المعروف إغاثة الملهوف . والإصلاح بين الناس عامّ في الدماء والأعراض والأموال ، وفي كل شيء يقع التداعي فيه . قوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك } إشارة إلى الأمور المذكورة ، جعل مجرّد الأمر بها خيراً ، ثم رغب في فعلها بقوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك } لأن فعلها أقرب إلى الله من مجرّد الأمر بها ، إذ خيرية الأمر بها إنما هي لكونه وسيلة إلى فعلها . قوله : { ابتغاء مرضات الله } علة للفعل ؛ لأن من فعلها لغير ذلك ، فهو غير مستحق لهذا المدح والجزاء ، بل قد يكون غير ناج من الوزر ، والأعمال بالنيات .

/خ115