فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّـَٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (16)

والإشارة بقوله : { أولئك } إلى الإنسان المذكور ، والجمع لأنه يراد به الجنس ، وهو مبتدأ ، وخبره : { الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ } من أعمال الخير في الدنيا ، والمراد بالأحسن : الحسن ، كقوله : { واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم } [ الزمر : 55 ] وقيل : إن اسم التفضيل على معناه ويراد به : ما يثاب العبد عليه من الأعمال ، لاما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن ، وليس بأحسن { وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم } فلا نعاقبهم عليها . قرأ الجمهور ( يتقبل ، ويتجاوز ) على بناء الفعلين للمفعول . وقرأ حمزة ، والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه ، والتجاوز الغفران ، وأصله من جزت الشيء : إذا لم تقف عليه ، ومعنى { فِي أصحاب الجنة } : أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم ، فالجارّ والمجرور في محل النصب على الحال كقولك : أكرمني الأمير في أصحابه : أي كائناً في جملتهم ، وقيل : إن «في » بمعنى «مع » أي مع أصحاب الجنة ، وقيل : إنهما خبر مبتدأ محذوف أي هم في أصحاب الجنة { وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ } وعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ؛ لأن قوله : { أُوْلَئِكَ الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ } إلخ ، في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز ، ويجوز أن يكون مصدراً لفعل محذوف ، أي وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا .

/خ16