السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّـَٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (16)

{ أولئك } أي : العالون الرتبة ، القائلون هذا القول أبو بكر ، وغيره { الذين نتقبّل } بأسهل وجه { عنهم } وأشار بصيغة التفعل إلى أنه يعمل في قبوله عمل المعتني ، والتقبل من الله هو إيجاب الثواب له على عمله وقوله تعالى : { أحسن ما عملوا } أي : أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا .

فإن قيل : كيف قال الله تعالى { أحسن } والله تعالى يتقبل الأحسن وما دونه ؟ .

أجيب بوجهين أحدهما : أنّ المراد بالأحسن الحسن ، كقوله تعالى : { واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم } ( الزمر : 55 ) وكقوله : الناقص والأشج أعدلا بني مروان . أي : عادلا بني مروان .

ثانيهما : أنّ الحسن من الأعمال هو المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب . والأحسن ما يغاير ذلك ، وهو المندوب ، أو الواجب .

ولما كان الإنسان محل النقصان وإن كان محسناً ، نبه على ذلك بقوله تعالى : { ويتجاوز } أي بوعد لا خلف فيه { عن سيئاتهم } أي : فلا يعاقبهم عليها . وقرأ حفص وحمزة والكسائي : بنون مفتوحة قبل الفوقية من { يتقبل } ونصب { أحسن } ، ونون مفتوحة قبل الفوقية من { يتجاوز } والباقون بياء مضمومة قبل الفوقية من { يتقبل } ، و{ يتجاوز } ورفع { أحسن } وقوله تعالى : { في أصحاب الجنة } في محل الحال أي : كائنين في جملة أصحاب الجنة . كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي : في جملتهم . وقيل : خبر مبتدأ مضمر أي : هم في أصحاب الجنة وقوله تعالى : { وعد الصدق } مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة لأنّ قوله تعالى : { أولئك الذين يتقبل عنهم } في معنى الوعد . فيكون قوله تعالى : { يتقبل } ، و{ يتجاوز } وعداً من الله تعالى لهم بالتقبل والتجاوز . والمعنى يعامل من صفته ما قدّمنا بهذا الجزاء . وذلك وعد من الله تعالى صدق ، لكونه مطابقاً للواقع { الذي كانوا يوعدون } أي : يقع لهم الوعد به في الدنيا ممن لا أصدق منهم ، وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام حين أخبروا بقوله تعالى : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات } ( التوبة : 72 ) .