فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

لما ذكر سبحانه من شكر نعمة الله سبحانه عليه ، وعلى والديه ذكر من قال لهما قولاً يدلّ على التضجر منهما عند دعوتهما له إلى الإيمان ، فقال : { والذي قَالَ لوالديه أُفّ لَّكُمَا } الموصول عبارة عن الجنس القائل ذلك القول ، ولهذا أخبر عنه بالجمع ، وأفٍّ كلمة تصدر عن قائلها عند تضجره من شيء يرد عليه . قرأ نافع وحفص و { أفٍّ } بكسر الفاء مع التنوين . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وابن محيصن بفتحها من غير تنوين ، وقرأ الباقون بكسر من غير تنوين وهي لغات . وقد مضى بيان الكلام في هذا في سورة بني إسرائيل . [ أي سورة الإِسراء ] ، واللام في قوله : { لَّكُمَا } لبيان التأفيف : أي التأفيف لكما ، كما في قوله : { هَيْتَ لَكَ } [ يوسف : 23 ] قرأ الجمهور { أتعدانني } بنونين مخففتين ، وفتح ياءه أهل المدينة ومكة ، وأسكنها الباقون . وقرأ أبو حيوة ، والمغيرة ، وهشام بإدغام إحدى النونين في الأخرى ، ورويت هذه القراءة عن نافع . وقرأ الحسن ، وشيبة ، وأبو جعفر ، وعبد الوارث عن أبي عمرو بفتح النون الأولى ، كأنهم فرّوا من توالي مثلين مكسورين . وقرأ الجمهور : { أَنْ أُخْرَجَ } بضم الهمزة وفتح الراء مبنياً للمفعول . وقرأ الحسن ونصر ، وأبو العالية ، والأعمش ، وأبو معمر بفتح الهمزة وضم الراء مبنياً للفاعل . والمعنى : أتعدانني أن أبعث بعد الموت ، وجملة { وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي } في محل نصب على الحال : أي والحال أن قد مضت القرون من قبلي فماتوا ، ولم يبعث منهم أحد ، وهكذا جملة : { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ الله } في محل نصب على الحال : أي والحال أنهما يستغيثان الله له ، ويطلبان منه التوفيق إلى الإيمان ، واستغاث يتعدّى بنفسه وبالباء يقال : استغاث الله ، واستغاث به . وقال الرازي : معناه يستغيثان بالله من كفره ، فلما حذف الجار وصل الفعل ، وقيل الاستغاثة : الدعاء ، فلا حاجة إلى الباء . قال الفراء : يقال : أجاب الله دعاءه وغواثه ، وقوله : { وَيْلَكَ } هو بتقدير القول ، أي يقولان له : ويلك ، وليس المراد به : الدعاء عليه ، بل الحثّ له على الإيمان ، ولهذا قالا له : { آمن إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } أي آمن بالبعث إن وعد الله حقّ لا خلف فيه { فَيَقُولُ } عند ذلك مكذباً لما قالاه : { مَا هذا إِلاَّ أساطير الأولين } أي ما هذا الذي تقولانه من البعث إلاّ أحاديث الأوّلين ، وأباطيلهم التي سطّرونها في الكتب . قرأ الجمهور : { إن وعد الله } بكسر إن على الاستئناف أو التعليل ، وقرأ عمر بن فايد والأعرج بفتحها ، على أنها معمولة لآمن بتقدير الباء ، أي آمن بأن وعد الله بالبعث حقّ .

/خ20