فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنۡهُمۡ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّـَٔاتِهِمۡ فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَعۡدَ ٱلصِّدۡقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} (16)

{ أولئك } إشارة إلى الإنسان المذكور والجمع لأنه يراد به الجنس { الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا } من أعمال الخير في الدنيا . والمراد بالأحسن الحسن كقوله : { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم } فالقبول ليس قصرا على أفضل عباداتهم وأحسنها ، بل يعم كل طاعاتهم فاضلها ومفضولها ، والقبول هو الرضا بالعمل والإتابة عليه ، وقيل : إن اسم التفضيل على معناه ، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال ، لا ما لا يثاب عليه ، كالمباح فإنه حسن ، وليس بأحسن .

{ ونتجاوز عن سيئاتهم } فلا نعاقبهم عليها ، قرأ الجمهور : يتقبل ويتجاوز على بناء الفعلين للمفعول ، وقرئ بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه ، والتجاوز الغفران ، وأصله من جزت الشيء إذا لم تقف عليه .

{ في أصحاب الجنة } أي أنهم كائنون في عدادهم ، منتظمون في سلكهم ، فالجار والمجرور في مجال النصب على الحال ، كقولك أكرمني الأمير في أصحابه أي كائنا في جملتهم ، وقيل : إن في بمعنى مع ، أي : مع أصحاب الجنة ، وقيل : إنهما خبر مبتدأ محذوف أي هم في أصحاب الجنة .

{ وعد صدق } مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، لأن قوله { أولئك الذين نتقبل عنهم } في معنى الوعد بالتقبل ، والتجاوز ، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف ، أي ووعدهم الله وعد الصدق .

{ الذي كانوا يوعدون } به على ألسن الرسل في الدنيا ، عن ابن عباس قال : " أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، فاستجاب الله له ، فأسلم والداه جميعا وإخوانه وولده كلهم " ، ونزلت فيه أيضا : { فأما من أعطى واتقى } إلى آخر السورة " .

وقال النسفي : قيل : نزلت في أبي بكر الصديق في أبيه أبي قحافة ، وأمه أم الخير ، وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم ، فإنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، ودعا لهما وهو ابن أربعين سنة ، ولم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والأنصار ، أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبي بكر رضي الله تعالى عنه .