تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

المفردات :

حرث : الحرث : كسب المال ، والحرث : البذر يوضع في الأرض لينبت ، ويطلق على الزرع الحاصل منه ، وعلى ثمرة الأعمال .

التفسير :

20- { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } .

الهدف متعدد في أعمال البشر ، فمنهم من يريد بعمله وجه الله ورجاء الثواب في الدار الآخرة ، وهذا يضاعف الله له ثواب عمله ويكثر نماءه ، ويجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله .

وفي هذا المعنى يقول البني صلى الله عليه وسلم : ( إن الصدقة توضع في يد الله تعالى قبل أن توضع في يد السائل ، فينميها كما ينمي أحدكم فصيله )7 .

أي : إن الله يبارك في ثواب الصدقة ويزيد ثوابها وهذا أشبه بمستثمر يستثمر ماله في رعاية الغنم والبقر والإبل ، وحين يفطم الرضيع يسمى فصيلا لأنه فصل عن أمه ، وصار معتمدا على رعاية صاحب المال .

فالله يبارك في ثواب الصدقة ويزيدها أضعافا مضاعفة ، كما يزيد ابن الماشية الذي يطعمه صاحب المال ويسقيه ، فيتحول في المستقبل من فصيل صغير إلى حيوان قوي مكتمل القوة يسر الناظرين .

{ ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } .

ومن كان يعمل للدنيا وحدها وليس له هم في الآخرة : أعطاه الله من الدنيا الرزق الذي كتبه له في الأجل ، وليس له حظ من ثواب الآخرة ، ولك أن تتصور فضل الله ولطفه في عطائه ورزقه ، فالهمة العليا تكون في طلب ثواب الآخرة وجزائها الدائم الموصول ، أما الدنيا فعرض حائل يأكل منها البار والفاجر ولا يصل إلى صاحبها إلا ما قدر له .

قال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ( 18 ) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ( 19 ) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ( 20 ) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ( 21 ) } . ( الإسراء : 18-21 ) .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20)

قوله : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } الحرث معناه كسب المال . وجمعه أحراث{[4098]} وفي الأثر : احرُثْ لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .

والمعنى : من كان يبتغي بعمله وما رزقناه من الكسب ، الدار الآخرة فأطاع الله وأدى ما عليه من حقوق ، نزدْ له من الثواب أضعافا كثيرة فنجعل له بالواحد عشرا إلى سبعمائة ضعف .

قوله : { وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا } من كان يبتغي بما آتاه الله من المال وسعة الرزق ، رياسة الدنيا وزينتها ومتاعها ولا يسعى إلا من أجل هذه العاجلة { نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ } أي لا يحرم منها بل يُعطى منها ما شاء الله أن يعطيه ، ولكنه لا حظ له في الآخرة .

قال قتادة في هذا الصدد : إن الله يُعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا ، ولا يُعطي على نية الدنيا إلا الدنيا .

وجملة القول في ذلك ، أن من ابتغى الدنيا وحدها أعطاهُ الله منها ما شاء ، دون الآخرة فهو محروم منها . ومن ابتغى الآخرة وحدها أعطاه الله حسن جزائها وأُعطيَ من الدنيا ما شاء اللهُ له أنْ يُعطى .


[4098]:مختار الصحاح ص 128.