تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

36

المفردات :

من يعش : من يتعام ويعرض ويتغافل ، يقال : عشي فلان كرضي ، إذا حصلت له آفة في بصره .

نقيض له : نيسِّر له ، أو نسبب له ، أو نتح له .

له قرين : مصاحب لا يفارقه .

التفسير :

36- { ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين } .

من يعرض عن ذكر الله ويستهين بالقرآن ، ويأنف من ذكر دين الله ، ويبتعد عن شرع الله ، نيسر له قرين سوء من الجن ، يوسوس له بالشر ، ويحرضه على الفسوق والعصيان .

قال تعالى : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم . . . } ( فصلت : 25 ) .

وجاء في صحيح مسلم وغيره ، أن مع كل مسلم قرينا من الجن ، وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم7 .

قال ابن كثير :

{ ومن يعش . . . }

أي : يتعامى ويتغافل ويعرض ، { عن ذكر الرحمان } .

والعشا في العين ضعف بصرها ، والمراد هنا عشا البصيرة .

{ نقيض له شيطانا فهو له قرين } . كقوله تعالى : { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . . . } ( الصف : 5 ) . اه .

وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } . ( مريم : 83 ) .

ومعنى : { فهو له قرين } . أي : فهو له ملازم ومصاحب لا ينفك عن الوسوسة له والإغواء .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

قوله تعالى :{ ومن يعش عن ذكر الرحمن } أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه ، ولم يرج ثوابه ، يقال : عشوت إلى النار أعشو عشواً ، إذا قصدتها مهتدياً بها ، وعشوت عنها : أعرضت عنها ، كما يقال : عدلت إلى فلان ، وعدلت عنه ، وملت إليه ، وملت عنه . قال القرظي : يولي ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن . قال أبو عبيدة والأخفش : يظلم بصره عنه . قال الخليل بن أحمد : أصل العشو النظر ببصر ضعيف . وقرأ ابن عباس : ومن يعش بفتح الشين أي يعم ، يقال عشي يعشى عشياً إذا عمى فهو أعشى ، وامرأة عشواء . { نقيض له شيطاناً } قرأ يعقوب : { يقيض } بالياء ، والباقون بالنون ، نسبب له شيطاناً لنضمه إليه ونسلطه عليه . { فهو له قرين } لا يفارقه ، يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَٰنِ نُقَيِّضۡ لَهُۥ شَيۡطَٰنٗا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٞ} (36)

قوله تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرّحمان نقيّض له شيطانا فهو له قرين 36 وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون 37 حتّى إذا جآءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين 38 ولن ينفعكم اليوم إذ ظّلمتم أنّكم في العذاب مشتركون 39 أفأنت تسمع الصّمّ أو تهدي العمى ومن كان في ضلال مبين 40 فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم مّنتقمون 41 أو نرينّك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون 42 فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم 43 وإنّه لذكر لّك ولقومك وسوف تسئلون 44 وسأل من أرسلنا من قبلك من رّسلنا أجعلنا من دون الرّحمان آلهة يعبدون } .

{ يعش } بمعنى يعمى ، ومنه عشا عشا إذا عمي . والعشا مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار . والمرأة عشواء ، وعشا عنه أي أعرض{[4140]} ومعنى الآية : من يعرض عن القرآن وما فيه من جليل المعاني والأحكام والعبر فيعتاض عن ذلك بالأباطيل والضلالات يعاقبه الله بشيطان يقيضه له . وهو قوله : { نقيّض له شيطانا } { نقيّض له } ، أي نقدر له ونسبب . نقول : قيّض الله فلانا بفلان ، أي جاء به وأتاحه له . { وقيّضنا لهم قرنآء } أي سبّبنا لهم من حيث لا يحتسبون {[4141]} .

فالله جل وعلا يتوعد من أعرض عن دينه وقرآنه بعقابه بشيطان يقيضه له فيلازمه ويضله { فهو له قرين } أي ملازم له ومصاحب ، فهو يتبعه في الدنيا ولا يفارقه ليوحي إليه الكفر وفعل المعاصي والسيئات ، ويكرّه إليه الإيمان والطاعات . وهو كذلك قرينه في الآخرة . فإذا خرج من قبره فإنه يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخلا النار معا بخلاف المؤمن ، فإنه يشفع بملك حتى يقضي الله بين العباد .


[4140]:مختار الصحاح ص 435 والمصباح المنير جـ 2 ص 62.
[4141]:القاموس المحيط جـ 2 ص 356.