( سورة القلم مكية ، وآياتها 52 آية ، نزلت بعد سورة العلق )
وتشير الروايات إلى أنها من أوائل السور التي نزلت من القرآن ، ونلمح من سياق السورة أنها نزلت بعد الجهر بالدعوة الإسلامية في مكة ، حيث تعرض النبي الأمين صلى الله عليه وسلم للاتهام بالجنون ، فنزلت السورة تنفي عنه هذه التهمة ، وتصف مكارم أخلاقه ، وتتهدد المكذبين ، وتذكر قصة أصحاب الجنة الذين منعوا زكاة الثمار والفاكهة ، فأهلك الله جنتهم ، وكذلك يهلك كل كافر معاند ، وتوجهت السورة إلى أهل مكة بهذا الاستفهام الإنكاري : أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ( القلم : 35 ) . هل يستوي المستقيم والفاجر ؟ أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون . ( القلم : 46 ) . هل تطلب منهم أجرا كبيرا على تبليغ الرسالة ، فلا يستطيعون أداءه ولذلك يتثاقلون عن اتباعك ؟
ثم تذكر السورة طرفا من قصة يونس عليه السلام من باب التسلية والاعتبار ، وتختم السورة ببيان حقد الكافرين وحسدهم ، حتى أن عيونهم ينبعث منها شرار الحسد والغيظ ، ويتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالجنون ، وما يحمل إلا الذكر والهداية للعالمين .
1- أقسم الله بالقلم والدواة والكتابة ، ليدل على عظيم شأنها في نشر الرسالات والدعوات والعلم والمعرفة ، وكانت أول آية من القرآن : اقرأ باسم ربك الذي خلق . ( العلق : 1 ) .
2 ، 3- نفى القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم الاتهام الكاذب بالجنون ، ثم أثبت أن له أجرا كاملا غير منقوص على تبليغ الرسالة .
4-ومدحه الله بحسن الخلق ، فقال سبحانه : وإنك لعلى خلق عظيم . ( القلم : 4 ) . لقد كان خلقه القرآن ، وكان جامعا للصفات الكريمة ، والقدوة الحسنة ، فقد اتصف بالفصاحة والشجاعة والكرم والحلم ، والأدب والعفة والنزاهة والأمانة ، والصدق والرحمة والتسامح واللين وحسن المعاملة .
وكان صلى الله عليه وسلم حسن الصورة ، معتدل البناء ، جياش العواطف ، قويا في دين الله ، حريصا على تبليغ الرسالة ، قائدا ومعلما ومربيّا وموجها ، أمينا على وحي السماء .
وكانت عظمة أخلاقه في أنه تمثل القرآن سلوكا وهديا وتطبيقا ، فكان قرآنا متحركا ، يجد فيه الصحابة القدوة العملية ، والتطبيق الأمين للوحي ، فيقتدون بخلقه وعمله وهديه وسلوكه .
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا . ( الأحزاب : 21 ) .
5 ، 6- فسيكشف الغد عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه ، ويثبت أيهم الممتحن بما هو فيه ، وأيهم الضالّ فيما يدعيه ، وستبصر ويبصرون غلبة الإسلام ، واستيلاءك عليهم بالقتل والأسر ، وهيبتك في أعين الناس أجمعين ، وصيرورتهم أذلاء صاغرين .
7- إن ربك هو الذي أوحى إليك ، فهو يعلم أنك المهتدي ، والمكذب بك ضال عن طريق الهدى ، وسيجازي كل إنسان بحسب ما يستحق .
8 ، 9- وقد ساوم الكفار النبي صلى الله عليه وسلم ، وعرضوا عليه أن يعبدوا إلهه يوما وأن يعبد آلهتهم يوما ، فيصيب كل واحد بحظه من إله الآخر : فنزل قوله تعالى : قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون . ( الكافرون : 1 ، 2 ) .
وفي كتب السيرة : أن الكفار حرّضوا أبا طالب على أن يكفّ عنهم محمدا ، وأن ينهاه عن عيب آلهتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمّه : ( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) .
وقد نزل الوحي ينهاه عن طاعة المكذبين ، وينهاه عن قبول المساومة أو الحل الوسط ، فإما إيمانا أو لا إيمان : ودّوا لو تدهن فيدهنون . ( القلم : 9 ) . والإدهان هو اللين والمصانعة ، أي : ودّ المشركون لو تلين لهم في دينك بالركون إلى آلهتهم ، وتتخلى عن مهاجمتها ، حتى يتركوا خصامك وجدالك .
10-13- نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة ، وقيل : في الأخنس بن شريق ، وكلاهما كان ممن خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولجّوا في حربه ، والآيات تصف هذا الكافر بتسع صفات كلها ذميم :
2- مهين ، لا يحترم نفسه ولا يحترم الناس قوله .
3- همّاز ، يهمز الناس ويعيبهم بالقول والإشارة .
4- مشاء بنميم ، يمشي بين الناس بالنميمة والفتنة والفساد .
5-منّاع للخير ، بخيل ممسك ، وكان يمنع الناس من الإيمان ، ويهدد من يحس منه الاستعداد للإيمان .
6- معتد ، متجاوز للحق والعدل ، ثم هو معتد على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين .
7- أثيم ، كثير الآثام ، لا يبالي بما ارتكب ولا بما اجترح .
8- عتل بعد ذلك ، جامع للصفات المذمومة ، وهو فظّ غليظ جاف .
9- زنيم ، أي لصيق في قومه متهم في نسبه ، أو معروف بالشرور والآثام .
14- 16- تذكر هذه الآيات موقفه من دين الله ، وجحوده بنعمة الله عليه ، فلأنه صاحب مال وولد ، إذا تلي عليه القرآن استهزأ بآياته ، وسخر من الرسول ، وهذه وحدها تعدل كل ما مرّ من وصف ذميم ، سنسمه على الخرطوم . ( القلم : 16 ) . أي : سنجعل له سمة وعلامة على أنفه ، والمراد أنا سنبين أمره بيانا واضحا حتى لا يخفى على أحد ، أو سنذله في الدنيا غاية الإذلال ، ونجعله ممقوتا مذموما مشهورا بالشر .
تتناول الآيات ( 17-33 ) قصة أصحاب الجنة ، وهم قوم ورثوا عن أبيهم بستانا جميلا مثمرا يانعا ، وكان أبوهم يخرج زكاة البستان ، ويوزع مقدارا منه على الفقراء والمساكين ، فعاقبهم الله بهلاك البستان ، وكذلك يعاقب الكافرين يوم القيامة ، وقد عرضتها الآيات عرضا رائعا يمثل خطوات القصة ، وضعف تدبير الإنسان أمام تدبير الله الواحد الديان ، فلنسر مع الآيات :
17 ، 18- لقد استقر رأس أصحاب الجنة أن يقطعوا ثمرها عند الصباح ، دون أن يستثنوا منه شيئا للمساكين ، وأقسموا على هذا ، وعقدوا النية عليه .
19 ، 20- فطرق تلك الجنة طارق من أمر الله ليلا وهم نيام : فأصبحت كالصّريم . ( القلم : 20 ) . أي كالبستان الذي صرمت ثماره أي قطعت ، كأنها مقطوعة الثمار ، فقد ذهب الطائف الذي طاف عليها بكل ثمرها .
21-24- فنادى بعضهم بعضا في الصباح ، وانطلقوا يتحدثون في خفوت ، زيادة في إحكام التدبير ، ويوصى بعضهم بعضا بأن يحتجزوا الثمر كله ، ويحرموا منه المساكين .
25- وغدوا مصممين على حردi المساكين ومنعهم وحرمانهم ، قادرين عند أنفسهم على المنع وحجب منفعتها على المساكين .
26 ، 27- فلما شاهدوا بستانهم ورأوه محترقا أنكروه ، وشكوا فيه وقالوا : أبستاننا هذا أم نحن ضالون طريقه ؟ ثم تيقنوا أنه بستانهم وقد حاق بهم الحرمان والندم .
28- 32- وبعد أن حدث ما حدث ألقى كل منهم تبعة ما وقع على غيره ، وتشاحنوا ، ثم تركوا التلاوم ، واعترفوا بالخطيئة أما العاقبة الرديئة ، عسى أن يغفر الله لهم ، ويعوضهم عن الجنة الضائعة .
33- هكذا عذاب من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه ، وأنعم به عليه ، ومنع حق البائس الفقير ، وفي الآخرة عذاب أكبر من هذا العذاب ، لكل جاحد بنعمة الله ، ولكل مكذب بالدين والإيمان ، فليعلم ذلك المشركون وأهل مكة ، وليحذروا عاقبة كفرهم وعنادهم .
والقصة مسوقة لغاية معينة هي بيان عاقبة الجحود ومنع حق الله ، إنها عاقبة سيئة في الدنيا وفي الآخرة ، وفي القصة تهديد للكافرين ، وعظة للمؤمنين .
34- وفي مقابل ما أعد للكافرين ، بيان بالنعيم الذي أعد للمتقين .
35- 47- وعند هاتين الخاتمتين يدخل القرآن معهم في جدل لا تعقيد فيه ولا تركيب ، ويتحداهم ويحرجهم بالسؤال تلو السؤال ، عن أمور ليس لها إلا جواب واحد تصعب فيه المغالطة ، ويهددهم في الآخرة بمشهد رهيب ، وفي الدنيا بحرب من العزيز الجبار القوي الشديد .
48 -50- توجه الآيات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على تكاليف الرسالة ، والصبر على الأذى والتكذيب ، وتذكر له تجربة أخ له من قبل ضاق صدره بتكذيب قومه ، وهو يونس عليه السلام .
أرسل الله يونس بن متى عليه السلام ، إلى أهل قرية نينوى بجوار مدينة الموصل بالعراق ، فاستبطأ إيمانهم وشق عليه تلكؤهم ، وضاق صدره بتكذيبهم ، فهجرهم مغاضبا لهم ، قاده الغضب إلى شاطئ البحر ، حيث ركب سفينة مع آخرين ، فلما كانوا في وسط اللجّة ثقلت السفينة وتعرضت للغرق ، فأقرعوا بين الركاب للتخفف من واحد منهم ، لتخفّ السفينة ، فكانت القرعة على يونس ، فألقوه في اليمّ ، فابتلعه الحوت ، عندئذ نادى يونس ، وهو مكظوم . ( القلم : 48 ) . مملوء غيظا ، لوقوعه في كرب شديد ، في ظلمات البحر ، وفي بطن الحوت ، وفي وسط اللجّة ، نادى ربه : أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . ( الأنبياء : 87 ) . فتداركه نعمة من ربه ، فنبذه الحوت على الشاطئ مريضا سقيما ، ثم يسر الله له الأمور ، واصطفاه وأوحى إليه ، وأرسله إلى مائة ألف يزيدون فآمنوا به ، وجعله الله من الصالحين ، حيث رّ إليه الوحي ، وشفعه في نفسه وقومه .
50- 52- وفي ختام السورة مشهدا للكافرين ، وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم في غيظ عنيف ، وحسد عميق ، ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه .
وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون . ( القلم : 51 ) . يعني أنهم من شدة تخوفهم ، ونظرهم إليك سرّا بعيون العداوة والبغضاء ، يكادون يزلون قدمك ، أو يهلكونك ، من قولهم : نظر إليّ نظرا يكاد يصرعني ، أو يكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعله .
وعن الحسن : دواء الإصابة بالعين أن تقرأ هذه الآية ، وقد كان الكفار يريدون إصابة النبي صلى الله عليه وسلم بعيونهم وحسدهم ، فعصمه الله تعالى وأنزل عليه الآية .
وقد صح في الحديث من عدة طرق : ( إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر )ii .
وروى الإمام أحمد ، عن أبي ذر مرفوعا : ( إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا ثم يتردى منه )iii .
ومما يحفظ المؤمن من الحسد خمسة أشياء ، هي :
1- قراءة : قل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس .
3- قراءة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير ) عشر مرات بعد صلاة المغرب ، وعشر مرات بعد صلاة الصبح .
4- قراءة قوله تعالى : وإن يكاد الذي كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون . ( القلم : 51 ) .
5- وأهم شيء في الوقاية من حسد ، الثقة الكاملة والاعتقاد اليقيني بأن الله هو النافع الضار ، وأن أحدا لن ينفعك إلا بإذن الله ، ولن يضرك إلا بمشيئة الله .
بيان محاسن الأخلاق النبوية ، سوء أخلاق بعض الكفار ، وعذاب مانعي الزكاة ، وضرب المثل بقصة أصحاب الجنة ، وتقريع المجرمين وتوبيخهم وإقامة الحجة عليهم ، وتهديد المشركين المكذبين بالقرآن ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر ، والإشارة إلى حال يونس عليه السلام في قلة الصبر على قومه ، وقصد الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوه بالعين في قوله : وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون . ( القلم : 51 ) .
للسورة اسمان : سورة ( ن ) ، وسورة القلم .
تفيد كتب علوم القرآن الكريم أن سورة القلم من أوائل من نزل من القرآن الكريم ، فأول سورة من القرآن الكريم نزلت هي سورة العلق ، وفي صدر السورة حثّ على القراءة والعلم ، وكذلك سورة القلم فيها مدح للكتابة والتعليم ، وفيها قسم بالقلم والكتابة والتسطير ، لبيان أهمية ذلك في تبليغ الدعوة الإسلامية ، وارتفاع شأن الأمّة .
وقد اختار الله رسوله أميا لحكمة عليا : حتى لا يرتاب المبطلون ، ولا يظن الظانون أنه نقل القرآن من الكتب السابقة ، وهذا النبي الأمي علّم الناس الوحي ، وارتقى بأمّته من الجهل والتدابر إلى العلم والتواصل .
وإذا كان صدر سورة القلم قد نزل مبكرا ، فإن بقية السورة نزلت بعد ذلك ، ويرجّح الأستاذ سيد قطب في تفسيره ( في ظلال القرآن ) أن السورة نزلت تهاجم الكافرون وتهددهم ، وذلك يوضّح أن تاريخ نزولها كان بعد الجهر بالدعوة ، أي بعد ثلاث سنوات من مرحلة الإسرار بالدعوة .
{ ن ، والقلم وما يسطرون 1 ما أنت بنعمة ربك بمجنون 2 وإن لك لأجرا غير ممنون 3 وإنك لعلى خلق عظيم 4 فستبصر ويبصرون 5 بأييّكم المفتون 6 إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 7 }
ن : حروف أقسم الله بها ، أو استفتح بها السور ، أو هي للتحدّي والإعجاز ، أو هي كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة ، أو هي إشارة إلى أسماء الله تعالى أو صفاته .
أقسم الله تعالى ببعض الحروف التي افتتح بها بعض سور القرآن الكريم ، مثل : ن ص ، حم ، طسم ، المر ، المص ، حم عسق ، كهيعص .
وهي حروف يقصد بها التحدّي والإعجاز ، وبيان أن القرآن مكوّن من حروف عربية تنطقون بها ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله ، فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر ، ولكنه تنزيل من عليم حكيم .
وقيل : هي أدوات للتنبيه ، كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة .
أقسم الله بالقلم ، وهو وسيلة الكتابة وأداة التعليم ، تحريرا لنا من الأمّية ، وتوجيها لنا إلى فضل العلم وأهمية الكتابة ، حتى قال القائل :
تعلم العلم واقرأ *** تحز فخار النبوّة
فالله قال ليحيى *** خذ الكتاب بقوّة
ويمكن أن يراد بالقلم أيضا ، القلم الذي يكتب به الملائكة ما في اللوح المحفوظ ، ويسجّلون به في صحائفهم أعمال الناس .
إن ديننا العلم والكتابة ، والتسابق العلمي والفكري ، ومن واجب الأمة الإسلامية أن تتسابق في ميادين العلم النظري والعملي والديني ، ليعود لها مجدها وعزّها .
قال تعالى : قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعملون . . . ( الزمر : 9 ) .
وقال سبحانه وتعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم . . . ( آل عمران : 18 ) .
وقال سبحانه وتعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون . ( العنكبوت : 43 ) .
{ ن~ } : هو أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا ن~ ويُقرأ نُون .
{ والقلم وما يسطرون } : أي والقلم الذي كتب به الذكر ( القدر ) والذي يخطون ويكتبون .
قوله تعالى { ن~ } هذا أحد الحروف المقطعة نحو ق~ ، وص~ ، وحم~ الله أعلم بمراده به وقوله تعالى ( والقلم وما يسطرون } أي والقلم الذي كتب أول ما خلق وقال له اكتب فقال ما اكتب قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى بذلك وما يسطرون أي وما تسطره وتكتبه الملائكة نقلا من اللوح المحفوظ ، وما يكتبه الكرام الكاتبون من أعمال العباد قسمي أي أقسم تعالى بشيئين الأول القلم ، والثاني ما سطر به وكتب مما خلق من كل شيء .
- تقرير مسألة أن الله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه .
- بيان فضل القلم الذي يكتب به الهدى والخير . - قرير عقيدة القضاء والقدر إذ كان ذلك بالقلم الذي أول ما خلق الله .
{ ن } اختلفوا فيه فقال ابن عباس : هو الحوت . الذي على ظهره الأرض . وهو قول مجاهد ومقاتل ، والسدي ، والكلبي . وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض ، فأنبتت بالجبال ، وإن الجبال لتفخر على الأرض ، ثم قرأ ابن عباس : { ن والقلم وما يسطرون } واختلفوا في اسمه ، فقال الكلبي ومقاتل : بهموت . وقال الواقدي : ليوثا . وقال كعب : لويثا . وعن علي : اسمه بلهوث . وقالت الرواة : لما خلق الله الأرض وفتقها ، بعث من تحت العرش ملكاً فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فوضعها على عاتقه ، إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب ، باسطتين قابضتين على الأرضين السبع ، حتى ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار ، فأهبط الله عز وجل من الفردوس ثوراً له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة ، وجعل قرار قدمي الملك على سنامه ، فلم تستقر قدماه فأخذ ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس ، غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه ، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض ، ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفساً فإذا تنفس مد البحر وأزبد ، وإذا رد نفسه جزر ، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار ، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها ، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه { فتكن في صخرة }( لقمان- 16 ) ولم يكن للصخرة مستقر ، فخلق الله نوناً وهو الحوت العظيم ، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال ، والحوت على البحر ، والبحر على متن الريح ، والريح على القدرة . يقال : فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان ، قال لها الجبار : كوني فكانت . قال كعب الأحبار : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه ، فقال له : أتدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والدواب والشجر والجبال ، لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك ، فهم لويثا أن يفعل ذلك ، فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه ، فعج الحوت إلى الله منها ، فأذن لها الله فخرجت . قال كعب : فوالذي نفسي بيده ، إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت إلى ذلك كما كانت . وقال بعضهم : نون آخر حروف الرحمن ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس . وقال الحسن وقتادة والضحاك : النون الدواة . وقيل : هو قسم أقسم الله به . وقيل : فاتحة السورة . وقال عطاء : افتتاح اسمه نور ، وقال محمد بن كعب : أقسم الله بنصرته للمؤمنين . { والقلم } هو الذي كتب الله به الذكر ، وهو قلم من نور ، طوله ما بين السماء والأرض ، ويقال : أول ما خلق الله القلم ، ونظر إليه فانشق نصفين ، ثم قال : اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك . { وما يسطرون } يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم .