تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

1

المفردات :

لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي : إذا كلمتموه ونطق ونطقتم ، فلا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته .

التفسير :

2- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } .

أدب الله المسلمين وأدب العرب والأعراب ، وأدب الدنيا كلها في لزوم الأدب وخفض الصوت ، عند مخاطبة الكبراء والعلماء ، والأنبياء والمرسلين ، وإذا تكلم إنسان في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، أو عند قبره في مماته ، أو عند قراءة الحديث الشريف ، أو القرآن الكريم ، فيجب ألا يرفع صوته فوق صوت النبي ، بل يكون صوت النبي أعلى صوتا ، وأوقع أثرا من صوت المتكلم بحضرته ، وجهر النبي أعلى من جهر المتحدث أو المستفهم بحضرته ، حتى تكون مزية النبي واضحة ، وسابقته ظاهرة ، وامتيازه بينا .

وإذا خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجب أن نقول له : يا رسول الله ، أو يا نبي الله ، ولا نخاطبه باسمه مجردا ، مثل يا محمد أو يا أحمد ، أي ينبغي أن يشتمل الخطاب على التعظيم والتوقير والاحترام .

أمر الله بذلك خشية إزعاج النبي وإيلامه ، برفع أصواتنا عليه ، أو عدم اللياقة أو الجلافة في خطابه ، وعندئذ يحبط عمل المتكلم ، ويضيع ثوابه ، ويخسر حسناته ، من حيث لا يعلم ذلك في الدنيا ، بل يعلمه يوم القيامة .

وإذا وصل الجهر بالصوت إلى حد الاستخفاف والاستهانة فذلك كفر ، والعياذ بالله ، فالغرض من الآية أن يكون صوت المؤمن عند خطابه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، خفيضا مناسبا لمقامه وهيبته ، لكن بحيث يسمعه .

ونلحظ أن الله نهانا عن جهر معين فقال : { كجهر بعضكم لبعض . . . } أي : ولا تجهروا له بالقول جهرا مثل جهر بعضكم لبعض .

قال القرطبي :

وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا ، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة ، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفته ، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه فيما بينهم ، وهو الخلو من مراعاة أبّهة النبوة ، وجلالة مقدارها ، وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها . اه .

وقد لاحظنا أن القرآن الكريم حث على توقير الرسول وتعظيمه ، قال تعالى : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . . . } ( النور : 63 ) .

وقد دلت آيات من كتاب الله تعالى على أن الله العلي القدير ، لم يخاطب النبي في القرآن باسمه ، وإنما يخاطبه بما يدل على التعظيم كقوله سبحانه :

{ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } . ( الأحزاب : 45 ) .

{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك . . . } ( المائدة : 67 ) .

{ يا أيها المدثر } . ( المدثر : 1 ) .

مع أنه سبحانه نادى غيره من الأنبياء بأسمائهم ، مثل : { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة . . . } ( البقرة : 35 ) .

ومثل : { يا نوح اهبط بسلام منا . . . } ( هود : 48 ) .

ومثل : { وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا . . . } ( الصافات : 104 ، 105 ) .

أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر اسمه مجردا في القرآن في خطاب ، وقد سبق أن ذكرنا أن اسم محمد صلى الله عليه وسلم تكرر أربع مرات في القرآن الكريم هي :

1- { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل . . . } ( آل عمران : 144 ) .

2- { ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين . . . } ( الأحزاب : 40 ) .

3- { والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم } . ( محمد : 2 ) .

4- { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم . . . } ( الفتح : 29 ) .

وكلها ليست خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم ، بل هي حديث عنه صلى الله عليه وسلم .

ملاحظات

( أ ) قال القاضي أبو بكر بن العربي : حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا ، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه ، فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه ، ولا يعرض عنه ، كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به ، وقد نبه الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى :

{ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا . . . } ( الأعراف : 204 ) .

وكلام النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي ، وله من الحرمة مثل ما للقرآن إلا معاني مستثناة ، بيانها في كتب الفقه4 .

( ب ) النهي المذكور عن رفع الصوت ، هو الصوت الذي لا يناسب ما يهاب به العظماء ، ويوقر الكبراء ، أما الصوت الذي يرفع في حرب أو مجادلة معاند ، أو إرهاب عدو ، ونحو ذلك فليس منهيا عنه ، لأنه لمصلحة ، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين : ( اصرخ بالناس ) ، وكان العباس أجهر الناس صوتا ، يروى أن غارة أتتهم يوما ، فصاح العباس : يا صباحاه ! فأسقطت الحوامل لشدة صوته .

( ج ) لقد تأدب المسلمون بهذا الأدب الرفيع ، فقال أبو بكر الصديق : والله يا رسول الله لا أكلمك إلا إسرارا أو كأخي السرار . وسلك عمر مثله في خفض صوته ، فكان إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه .

وفعل مثل ذلك ثابت بن قيس ، لما نزل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي . . . } فقد دخل بيته ، وأغلق عليه بابه ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إليه يسأل ما خبره ؟ فقال : أنا رجل شديد الصوت ، وأنا أخاف أن يكون حبط عملي . فقال صلى الله عليه وسلم : ( لست منهم ، بل تعيش حميدا ، وتقتل شهيدا ، وتدخل الجنة )5 .

فتثبت ثباتا حميدا يوم اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب ، حتى مات شهيدا ، وترك ذكرا حميدا .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

{ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } نهى عن زيادة صوتهم على صوته في المكالمة . { ولا تجهروا له بالقول . . . } نهى عن مساواة أصواتهم بصوته صلى الله عليه وسلم في المكالمة ؛ فإن ذلك شأن الأقران والنظراء . والمراد بالنهيين : أن يجعلوا أصواتهم في مخاطبته أخفض من صوته صلى الله عليه وسلم ، ويتعهدوا في مخاطبته الخفض القريب من الهمس ؛ كما هو الأدب عند مخاطبة المهيب المعظم . { أن تحبط أعمالكم } أي خشية أن يبطل ثواب أعمالكم بفعل المنهى عنه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

لا ترفعوا أصواتكم : غضّوها وتكلموا بهدوء ولين .

ثم أدّبهم في الآية الثانية في الحديث والخطاب مع رسول الله ، وأن يوقّروه ،

فلا يرفعوا أصواتَهم فوق صوت النبي إذا تكلم ، بل يخفَضوها ولا يتكلّموا معه كما يتكلم بعضهم مع بعض . وأن يتأدبوا في مخاطبته فلا تقولوا : يا محمد ، بل قولوا : يا نبيّ الله ، أو يا رسول الله ، وبكل إجلال وتعظيم ، حتى لا تبطُل أعمالكم وأنتم لا تشعرون .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

{ يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي } نزلت في ثابت ابن قيس بن شماس وكان جهوري الصوت وربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينادي بصوته فأمروا بغض الصوت عند مخاطبته { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض } لاتنزلوه منزلة بعضكم من بعض فتقولوا يا محمد ولكن خاطبوه بالنبوة والسكينة والإعظام { أن تحبط أعمالكم } كي لا تبطل حسناتكم { وأنتم لا تشعرون } أن خطابه بالجهر ورفع الصوت فوق صوته يحبط العمل فلما نزلت هذه الآية خفض أبو بكر وعمر رضي الله عنهما صوتهما فما كلما النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار فأنزل الله تعالى { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } أي اختبرها وأخلصها للتقوى

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ} (2)

ولما ثبت إعظام{[60676]} الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يفتات عليه {[60677]}بأن يتأهب{[60678]} ما هو وظيفته من التقدم في الأمور وقطع المهمات ، فلا يكلم إلا جواباً أو سؤالاً في أمر ضروري لا يمكن تأخيره ، وكان من يكلمه لذلك ربما رفع صوته رفعاً الأولى به غيره مما هو دونه ، وكان من جملة أحواله أن يوحى إليه بالأمور العظيمة ، وكان رفع الصوت إذ ذاك من المشوشات في حسن التلقي للوحي مع ما فيه من قلة الاحترام والإخلاء بالإجلال والإعظام ، قال ذاكراً لثاني الأقسام ، وهو ما كان النظر فيه إلى مقامه صلى الله عليه وسلم بالقصد الأول ، مستنتجاً مما مضى من وصفه بالرسالة{[60679]} الدالة على النبوة ، آمراً بحفظ حرمته ومراعاة الأدب في خدمته وصحبته بتبجيله{[60680]} وتفخيمه ، وإعزازه وتعظيمه ، مكرراً لندائهم بما ألزموا أنفسهم به من طاعته بتصديقه و{[60681]}استدعاء لتجديد{[60682]} الاستنصار وتطرية الندب إلى الإنصات وإشارة إلى أن المنادى له أمر يستحق أن يفرد بالنداء ويستقل{[60683]} بالتوصية{[60684]} : { يا أيها الذين آمنوا } مكرراً للتعبير بالأدنى من أسنان{[60685]} القلوب للتنبيه على أن فاعل مثل هذه المنهيات والمحتاج فيها إلى التنبيه بالنهي قد فعل من هذا حاله { لا ترفعوا أصواتكم } أي في شيء من الأشياء { فوق صوت النبي } أي الذي يتلقى عن الله ، وتلقيه{[60686]} عنه متوقع في كل وقت ، وهذا يدل على أن أذى{[60687]} العلماء الذين هيأهم الله لتلقي فهم دينه عنه شديد{[60688]} جداً ، فإن تكدير أوقاتهم يمنعهم عن كثير من ذلك .

ولما بين ما في ذلك لأجل النبوة ، بين ما ينبغي في نفسه من المزية فقال : { ولا تجهروا له بالقول } أي إذا كلمتموه سواء كان {[60689]}ذلك بمثل{[60690]} صوته أو أخفض من صوته ، فإن ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء ، ويوقر{[60691]} الكبراء . ولما شمل هذا كل جهر مخصوص ، وهو ما يكون مسقطاً للمزية ، قال : { كجهر بعضكم لبعض } أي فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق{[60692]} بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره . ولما نهى عن ذلك ، بين ضرره{[60693]} فقال مبيناً أن من الأعمال ما يحبط ولا يدرى أنه محبط ، ليكون العامل كالماشي في طريق خطر لا يزال-{[60694]} يتوقى خطره ويديم حذره : { أن } أي النهي لأجل خشية-{[60695]} أن { تحبط } أي تفسد فتسقط { أعمالكم } أي التي هي-{[60696]} الأعمال بالحقيقة وهي الحسنات كلها { وأنتم لا تشعرون } أي بأنها حبطت ، فإن ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخف به وإذا استخف به واظب عليه ، وإذا واظب عليه أوشك أن يستخف بالمخاطب فيكفر وهو لا يشعر .


[60676]:زيد في الأصل: سورة الفتح بإعظام، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60677]:من مد، وفي الأصل: ايتناهبوا.
[60678]:من مد، وفي الأصل: ايتناهبوا.
[60679]:من مد، وفي الأصل: بالراسلة.
[60680]:من مد، وفي الأصل: وتبجل.
[60681]:من مد، وفي الأصل: استدعاهم بتجديد.
[60682]:من مد، وفي الأصل: استدعاهم بتجديد.
[60683]:من مد، وفي الأصل: يستقبل.
[60684]:زيد في الأصل: فقال تعالى، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60685]:من مد وفي الأصل: أسباب.
[60686]:من مد، وفي الأصل: بلقبه.
[60687]:من مد، وفي الأصل: هذا ذا.
[60688]:من مد، وفي الأصل: شديدا.
[60689]:من مد، وفي الأصل: مثل ذلك.
[60690]:من مد، وفي الأصل: مثل ذلك.
[60691]:من مد، وفي الأصل: يوقره.
[60692]:زيد في الأصل: بينكم، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60693]:من مد، وفي الأصل: صوره.
[60694]:زيد من مد.
[60695]:زيد من مد.
[60696]:زيد من مد.