تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

17

المفردات :

أف لكما : صوت يصدر عن المرء عند تضجره .

أخرج : أبعث من القبر للحساب .

خلت القرون من قبلي : مضت الأزمان ولم يخرج منها أحد .

يستغيثان الله : يلجأن إلى الله أن يدفع الكفر عن ولدهما .

ويلك : هلاكا لك ، والمراد هنا الحث والتحريض على الإيمان ، لا حقيقة الدعاء بالهلاك .

أساطير الأولين : أباطيلهم التي سطروها في الكتب من غير أن يكون لها حقيقة .

التفسير :

17- { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } .

زعم مروان بن الحكم أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقد ردت عليه أم المؤمنين عائشة ، والحق ما قالته رضي الله عنها ، فإن عبد الرحمن بن أبي بكر هداه الله للإسلام والإيمان ، وهذا النموذج توعده الله بالعذاب في جهنم ، والآية عامة في كل كافر يكذب بالبعث ويسخر من الحساب .

والمعنى :

هذا الابن العاق لوالديه ولدينه ولربه ، فهو يتضجر ويتأفف ، ويتألم من دعوة والديه له إلى الإيمان ، ويقدم حججا واهية ، حيث يقول لهما :

{ أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي . . . }

أي : أتذكرانني بالبعث والحشر والجزاء ، مع أن طبقات متعددة من البشر قد ماتت ولم تعد إلينا ، ولم يخبرنا أحد ممن ماتوا إن كان في جنة أو في نار .

والله تعالى لا يعجل لعجلة العباد ، ولا يحيى الموتى بعد قرون معينة ، بل يترك الدنيا وأهلها إلى انتهاء أجلها ، ثم يبعث الناس جميعا مرة واحدة ، فإذا نفخ إسرافيل في الصور صعق الناس جميعا وماتوا ، ثم إذا نفخ مرة أخرى قاموا للبعث والحساب والجزاء .

{ وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق . . . }

أي : وهما يستعظمان قوله وكفره ، ويتضرعان إلى الله تعالى لهدايته ، ويحذرانه من الكفر والجحود ، ويستحثانه على الإيمان والهداية فيكون جوابه لهما .

{ ما هذا إلا أساطير الأولين } .

ما هذه الأفكار التي تقولانها عن البعث والحشر والحساب والجزاء ، وضرورة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، إلا أكاذيب السابقين ، وليس لهذه الأفكار ظل من الحقيقة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

أف : كلمة معناها التضجّر ، وهي مستعملة كثيرا .

أن أُخرج : أن ابعث من القبر .

خلت القرونُ من قبلي : مضت الأممُ من قبلي ولم يبعث أحدٌ من قبره .

ويلك : دعاء عليه بالهلاك . الهلاك لك .

أساطير الأولين : أباطيلهم وخرافاتهم .

بعد أن مضى الحديث عن حال البررة من الأولاد ، بيّن هنا حالَ الأشقياء العاقّين للوالدَين ، الجاحدين المنكرين للبعث والحساب .

والفريق الثاني من الناس هو الذي ينهر والديه ويقول لهما أفّ لكما ولما تؤمنان به ، أتقولان لي : إني سأُبعث من قبري حيّا بعد موتي ، وقد مات قبلي كثيرٌ من الناس لم يعُدْ منهم أحد ، أنا لا أصدّق هذا ولا أومن به !

ووالداهُ يستصرخان اللهَ مستغيثين أن يوفق ولدهما إلى الإيمان ، ويقولان له : ويلكَ ، آمِنْ قبل أن تهلك وتموتَ ثم تحشَر إلى النار ، { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } فيردّ عليهم بأنّ كل ما يقولانه خرافاتٌ من أساطير الأقدمين .

قراءات :

قرأ هشام : أتعدانّي بنون واحدة مشددة . والباقون : أتعدانني بنونين بدون تشديد . قراءات :

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

{ والذي قال لوالديه أف لكما } قال مروان بن الحكم : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق حين كفره كان أبوه وأمه يدعوانه إلى الإسلام فيأبى ويقول لهما أف ، وأنكرت عائشة رضي الله عنها ذلك ، وقالت : والله ما نزل في آل أبي بكر شيء من القرآن إلا براءتي ، ويبطل ذلك قطعا قوله تعالى : { أولئك الذين حق عليهم القول } لأن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أسلم وكان من خيار المسلمين ، وكان له في الجهاد غنى عظيم ، وقال السدي : ما رأيت أعبد منه ، وقال ابن عباس : نزلت في ابن لأبي بكر ولم يسمه ، ويرد ذلك ما ذكرناه عن عائشة وقيل : هي على الإطلاق فيمن كان على هذه الصفة من الكفر والعقوق لوالديه ، ويدل على أنها عامة قوله تعالى : { أولئك الذين حق عليهم القول } بصيغة الجمع ، ولو أراد واحدا بعينه لقال ذلك الذي حق عليه القول ، وقد ذكرنا معنى { أف } في الإسراء .

{ أتعدانني أن أخرج } أي : أتعدانني أنا أن أخرج من القبر إلى البعث .

{ وقد خلت القرون من قبلي } أي : وقد مضت قرون من الناس ولم يبعث منهم أحد .

{ وهما يستغيثان الله } الضمير لوالديه أي : يستغيثان بالله من كراهتهما لما يقول منهما ثم يقولان له ويلك ثم يأمرانه بالإيمان : فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أي : قد سطره الأولون في كتبهم ، وذلك تكذيب بالبعث والشريعة .