الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

وقوله تعالى : { والذي قَالَ لوالديه } قال الثعلبيُّ : معناه : إذ دَعَوَاهُ إلى الإيمان ، { أُفٍّ لَّكُمَا } الآية ، انتهى . و{ الذي } يعنى به الجِنْسِ على حَدِّ العموم في التي قبلها في قوله : { وَوَصَّيْنَا الإنسان } ؛ هذا قول الحسن وجماعة ، ويشبه أَنَّ لها سبباً من رَجُلٍ قال ذلك لأبويه ، فلما فرغ من ذكر المُوَفَّقِ ، عَقَّبَ بذكر هذا العَاقِّ ، وقد أنكرتِ عائِشَةُ أنْ تكونَ الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بَكْر ، وقالت : مَا نَزَلَ في آلِ أبي بَكْرٍ مِنَ القُرْآنِ غَيْرُ بَرَاءَتِي .

( ت ) : ولا يُعْتَرَضُ عليها بقوله تعالى : { ثَانِيَ اثنين } [ التوبة : 40 ] ولا بقوله : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل } [ النور : 22 ] كما بَيَّنَّا ذلك في غير هذه الآية .

قال ( ع ) : والأَصوبُ أنْ تكونَ الآية عامَّةً في أَهل هذه الصفات ، والدليلُ القاطعُ على ذلك : قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول في أُمَمٍ } وكان عبدُ الرحمن بن أبي بكر رضي اللَّه عنه من أفاضل الصحابة ، ومن أبطال المسلمين ، ومِمَّنْ له في الإسلام غَنَاءٌ يومَ اليمامة وغيره ، و{ أُفٍّ } بالتنوين قراءة نافع وغيره ، والتنوينُ في ذلك عَلاَمَةُ تنكيرٍ ؛ كما تَسْتَطْعِمُ رَجُلاً حَدِيثاً غَيْرَ مُعَيَّنٍ فتقول : إيهٍ منونةً ، وإنْ كان حديثاً مُشَاراً إليه قلت : إيهِ بغير تنوين .

وقوله : { أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ } المعنى : أَنْ أُخْرَجَ مِنَ القَبْرِ إلى الحَشْرِ ، وهذا منه استفهامٌ بمعنى الهُزْءِ والاِستبعاد . { وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي } معناه : هَلَكَتْ ومَضَتْ ، ولم يخرجْ منهم أحد ، { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ الله } يعني : الوالدَيْنِ يقُولاَنِ له : { وَيْلَكَ آمِنْ } .

وقوله : { مَا هذا إِلاَّ أساطير الأولين } أي : ما هذا القول الذي يتضمَّنُ البَعْثَ من القبور إلاَّ شيءٌ سَطَرَهُ الأَوَّلُون في كتبهم ، يعني : الشرائعَ ، وظاهر ألفاظ هذه الآية أَنَّها نزلَتْ في مُشَارٍ إليه ، قال : وقِيلَ له ، فنعى اللَّه إلينا أقواله ؛ تحذيراً من الوقوع في مثلها .