الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

{ والذى قَالَ لوالديه } مبتدأ خبره : أولئك الذين حق عليهم القول . والمراد بالذي قال : الجنس القائل ذلك القول ، ولذلك وقع الخبر مجموعاً . وعن الحسن : هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث . وعن قتادة : هو نعت عبد سوء عاق لوالديه فاجر لربه . وقيل : نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه وقد دعاه أبوه أبو بكر وأمّه أمّ رومان إلى الإسلام ، فأفف بهما وقال : ابعثوا لي جدعان بن عمرو وعثمان بن عمرو ، وهما من أجداده حتى أسألهما عما يقول محمد ، ويشهد لبطلانه أن المراد بالذي قال : جنس القائلين ذلك ، وأنّ قوله الذين حق عليهم القول : هم أصحاب النار ، وعبد الرحمن كان من أفاضل المسلمين وسرواتهم . وعن عائشة رضي الله عنها إنكار نزولها فيه ، وحين كتب معاوية إلى مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن : لقد جئتم بها هرقلية ، أتبايعون لأبنائكم ؟ فقال مروان : يا أيها الناس ، هو الذي قال الله فيه : { والذى قَالَ لوالديه أُفٍّ لَّكُمَآ } فسمعت عائشة فغضبت وقالت : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه ، فأنت فضض من لعنة الله . وقرىء : «أف » بالكسر والفتح بغير تنوين ، وبالحركات الثلاث مع التنوين ، وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر ، كما إذا قال : حس ، علم منه أنه متوجع ، واللام للبيان ، معناه : هذا التأفيف لكما خاصة ، ولأجلكما دون غيركما . وقرىء «أتعدانني » بنونين . وأتعداني : بأحدهما . وأتعداني : بالإدغام . وقد قرأ بعضهم : أتعدانني بفتح النون ، كأنه استثقل اجتماع النونين والكسرتين والياء ، ففتح الأولى تحرياً للتخفيف ، كما تحراه من أدغم ومن أطرح أحدهما { أَنْ أُخْرَجَ } أن أُبعث وأخرج من الأرض . وقرىء : «أخرج » { وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِى } يعني : ولم يبعث منهم أحد { يَسْتَغِيثَانِ الله } يقولان : الغياث بالله منك ومن قولك ، وهو استعظام لقوله : { وَيْلَكَ } دعاء عليه بالثبور : والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك .