الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

قوله : { أُفٍّ } : قد تقدَّم الكلامُ على " أُفّ " مستوفى و " لكما " بيانٌ أي : التأفيفُ لكما نحو : { هَيْتَ } [ يوسف : 23 ] .

قوله : " أَتَعِدانِني " العامَّةُ على نونَيْن مكسورتَيْن : الأولى للرفع والثانية للوقاية ، وهشام بالإِدغام ، ونافع في روايةٍ بنونٍ واحدة . وهذه مُشَبَّهةٌ بقوله : { تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ } [ الزمر : 64 ] . وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمروٍ بفتح النونِ الأولى ، كأنَّهم فَرُّوا مِنْ توالي مِثْلَيْنِ مكسورَيْن بعدهما ياءٌ . وقال أبو البقاء : " وهي لغةٌ شاذَّةٌ في فتح نون الاثنين " قلت : إنْ عَنَى نونَ الاثنين في الأسماءِ نحو قولِه :

4041 على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فليس هذا منه . وإن عَنَى في الفعلِ فلم يَثْبُتْ ذلك لغةً ، وإنَّما الفتحُ هنا لِما ذكَرْتُ .

قوله : " أَنْ أُخْرَجَ " هو الموعودُ به ، فيجوزُ أَنْ تُقَدِّرَ الباءَ قبل " أَنْ " وأَنْ لا تُقَدِّرَها .

قوله : " وقد خَلَتْ " جملةٌ حاليةٌ . وكذلك { وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ اللَّهَ } أي : يَسْألان اللَّهَ . واستغاث يتعدَّى بنفسِه تارةً وبالباء أخرى ، وإن كان ابنُ مالكٍ زعمَ أنَّه متعدٍّ بنفسِه فقط ، وعابَ قولَ النحاةِ " مستغاث به " قلت : لكنه لم يَرِدْ في القرآن إلاَّ متعدَّياً بنفسِه : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } [ الأنفال : 9 ] { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي } [ القصص : 15 ] { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ } [ الكهف : 29 ] قوله : " وَيْلَكَ " منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مُلاقٍ له في المعنى دونَ الاشتقاقِ . ومثله : وَيْحَه ووَيْسَه ووَيْبَه ، وإمَّا على المفعولِ به بتقدير : ألزمَك الله وَيْلَكَ . وعلى كلا التقديرَيْن الجملةُ معمولةٌ لقولٍ مقدرٍ أي : يقولان وَيْلَكَ آمِنْ . والقولُ في محلِّ نصب على الحال أي : يَسْتغيثان اللَّهَ قائلين ذلك .

قوله : { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } العامةُ على كسرِ " إنَّ " / استئنافاً أو تعليلاً . وقرأ عمرو بن فائد والأعرج بفتحِها على أنها معمولةٌ ل آمِنْ على حَذْفِ الباءِ أي : آمِنْ بأنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقٌّ .