البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

{ أف لكما } : تقدم الكلام على أف مدلولاً ولغات وقراءة في سورة الإسراء ، واللام في لكما للبيان ، أي لكما ، أعني : التأفيف .

وقرأ الجمهور : { أتعدانني } ، بنونين ، الأولى مكسورة ؛ والحسن ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وفي رواية ؛ وهشام : بإدغام نون الرفع في نون الوقاية .

وقرأ نافع في رواية ، وجماعة : بنون واحدة .

وقرأ الحسن ، .

وشيبة ، وأبو جعفر : بخلاف عنه ؛ وعبد الوارث ، عن أبي عمرو ، وهارون بن موسى ، عن الجحدري ، وسام ، عن هشام : بفتح النون الأولى ، كأنهم فروا من الكسرتين ، والياء إلى الفتح طلباً للتخفيف ففتحوا ، كما فر من أدغم ومن حذف .

وقال أبو حاتم : فتح النون باطل غلط .

{ أن أخرج } : أي أخرج من قبري للبعث والحساب .

وقرأ الجمهور : أن أخرج ، مبنياً للمفعول ؛ والحسن ، وابن يعمر ، والأعمش ، وابن مصرف ، والضحاك : مبنياً للفاعل .

{ وقد خلت القرون من قبلي } : أي مضت ، ولم يخرج منهم أحد ولا بعث .

وقال أبو سليمان الدمشقي : { وقد خلت القرون من قبلي } مكذبة بالبعث .

{ وهما يستغيثان الله } ، يقال : استغثت الله واستغثت بالله ، والاستعمالان في لسان العرب .

وقد رددنا على ابن مالك إنكار تعديته بالباء ، وذكرنا شواهد على ذلك في الأنفال ، أي يقولان : الغياث بالله منك ومن قولك ، وهو استعظام لقوله : { ويلك } ، دعاء عليه بالثبور ؛ والمراد به الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهلاك .

وقيل : ويلك لمن يحقر ويحرك لأمر يستعجل إليه .

وقرأ الأعرج ، وعمرو بن فائدة : { إن وعد الله } ، بفتح الهمزة ، أي : آمن بأن وعد الله حق ، والجمهور بكسرها ، { فيقول ما هذا } : أي ما هذا الذي يقول ؟ أي من الوعد بالبعث من القبور ، إلا شيء سطره الأولون في كتبهم ، ولا حقيقة له .

قال ابن عطية : وظاهر الفاظ هذه الآية أنها نزلت في مشار إليه قال وقيل له ، فنفى الله أقواله تحذيراً من الوقوع في مثلها .