السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

ولما وصف تعالى الولد البار بوالديه وصف الولد العاق لهما . بقوله تعالى : { والذي قال لوالديه أف لكما } والمراد به الجنس . وقال ابن عباس والسدي : نزلت في عبد الله بن أبيّ . وقيل : في عبد الرحمان بن أبي بكر قبل إسلامه ؛ كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام ، وهو يأبى ، وهو { قوله أف لكما } وقال الحسن وقتادة : إنها نزلت في كل كافر عاق لوالديه وعلى ثبوت أنها نزلت فيمن تقدم ، لا ينافي أن المراد الجنس ، فإنّ خصوص السبب لا يوجب التخصيص وفي { أف } قراءات ذكرت في سورة بني إسرائيل { أتعدانني } أي : على سبيل الاستمرار والتجديد في كل وقت وقرأ هشام بإدغام النون الأولى في الثانية وفتح الياء نافع وابن كثير وسكنها الباقون . { أن أخرج } أي : من مخرج يخرجني من الأرض بعد أن غبت فيها وصرت تراباً يحييني كما كنت أوّل مرّة { وقد } أي : والحال أنه قد { خلت } أي : مضت على سنن الموتى { القرون } أي : الأمم الكثيرة مع صلابتهم { من قبلي } أي : قرناً بعد قرن ، وتطاولت الأزمان ، ولم يخرج منهم أحد من القبور { وهما } أي : والحال أنهما كلما قال لهما ذلك { يستغيثان الله } أي : يطلبان بدعائهما من له جميع صفات الكمال أن يغيثهما بإلهامه قبول كلامهما ويقولان إن لم ترجع { ويلك } أي : هلاكك بمعنى : هلكت { آمن } أي : أوقع الإيمان الذي لا إيمان غيره ، وهو الذي ينقذ من كل هلكة ، ويوجب كل فوز ، بالتصديق بالبعث وبكل ما جاء عن الله تعالى . ثم علّلا أمرهما على هذا الوجه مؤكدين في مقابلة إنكاره بقولهما : { إنّ وعد الله } أي : الملك المحيط بجميع صفات الكمال حق أي : ثابت أعظم ثبات ؛ لأنه لو لم يكن حقاً لكان نقصاً من جهة الإخلاف الذي لا يرضاه لنفسه أقل الملوك . فكيف بملك الملوك ؟ { فيقول } مسبباً عن قولهما ومعقباً له { ما هذا } أي : الذي تذكرانه من البعث { إلا أساطير } أي : أكاذيب { الأوّلين } التي كتبوها .