الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

قوله : { والذي قال لوالديه أف لكما } إلى قوله : { نجزي القوم المجرمين } [ الآيات 16-24 ] .

هذه الآية نزلت في عبد الرحمن {[63015]} بن أبي بكر قبل إسلامه عند بعض العلماء {[63016]} ، ورد ذلك بعضهم قال : هذا يبطله قوله : { أولئك الذين حق عليهم القول } ، فقد حقت/عليه وعلى أمثاله كلمة العذاب بهذه الآية ، وأن عبد الرحمن من أفاضيل {[63017]} المؤمنين {[63018]} .

وقال ابن عباس : نزلت في ابن لأبي بكر الصديق {[63019]} قال له : أتعدني أن أبعث بعد الموت ، منكرا لذلك ، ولم يذكر اسمه {[63020]} .

وروي أن معاوية {[63021]} لما كتب إلى مروان {[63022]} أن يبايع الناس ليزيد قال {[63023]} عبد الرحمن ابن أبي بكر : جئتم بها هرقلية ( فقال له مروان {[63024]} : يا أيها الناس ) إن هذا الذي قال الله فيه : { والذي قال لوالديه أف لكما } الآية ، فغضبت عائشة لما بلغها ذلك وقالت {[63025]} : والله ما هو به ، ولو شئت أن أسميه لسميته ، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه – تعني الحكم – طريد {[63026]} رسول الله صلى الله عليه وسلم {[63027]} ، {[63028]}والتقدير في الآية ، والذي قال لوالديه إذ دعواه {[63029]} إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث بعد الموت أف لكما ، أي : قذرا لكما أتعدانني أن أخرج من قبري بعد الموت .

وقرأ الحسن : أن أخرج ، جعل الفعل له {[63030]} .

قال قتادة : هذا عبد سوء عاق لوالديه فاجر {[63031]} .

وقوله : { وقد خلت القرون من قبلي } .

أي : أتعدانني في {[63032]} أن أبعث بعد الموت وقد مضت قبلي القرون فهلكت ، ولم يبعث أحد منهم بعد موته ، فكيف أبعث أنا ولم يبعث أحد ممن هلك قبلي ، فتوهم المخذول أن لما لم يبعث من مات قبله ، لا يبعث هو {[63033]} ، ولم يدر أن للجميع أجلا ووقتا {[63034]} يبعثون فيه .

ثم قال : { وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله } .

أي : ووالده يصرخان {[63035]} الله عليه ، ويقولان له ويلك آمن بالله وبالبعث ، وصدق بوعد الله ووعيده ، إن وعد الله حق {[63036]} ، إنه يبعث الموتى ليجازيهم على أعمالهم ، فيقول لهما مكذبا لقولهما : ما هذا {[63037]} إلا أساطير ؛ أي : ما تقولان لي إلا أخباران أخبار الأولين باطلة {[63038]} .

{ يستغيثان {[63039]} الله } تمام عند نافع {[63040]} ، ويلك آمن التمام عند يعقوب {[63041]} وغيره و " وحق " ، هو التمام عند غيرهما ؛ لأنه من تمام القول الذي قالا له وهو الصواب إن شاء الله " {[63042]} .

ثم قال : { أولئك الذين حق عليهم القول } .

أي : وجبت {[63043]} عليهم كلمة العذاب في الآخرة مثل ما وجبت للأمم {[63044]} المتقدمة المنكرة للبعث ، الضالة عن الهدى من الجن والإنس كفعل هذا الذي تقدم ذكره .

{ إنهم كانوا خاسرين } .

أي : مغبونين ببيعهم الهدى بالضلالة ، والجنة بالنار .

وهذه الآية تدل على موت الجن كما يموت الإنس {[63045]} أمة بعد أمة ، لأنه قال {[63046]} : { في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس } {[63047]} ، وهي تدل على مجازاة الجن كما يجازي الإنس ، ودخول الجن النار والجنة كما يدخلها الإنس ، وليس المراد


[63015]:ع: "أبي بكر بن عبد الرحمن": وهو تحريف.
[63016]:انظر: البحر المحيط 8/61، وابن كثير 4/159.
[63017]:ع: "من أفضل".
[63018]:انظر : "البحر المحيط" 8/61، وابن كثير 4/159.
[63019]:انظر : الدر المنثور" 7/445.
[63020]:انظر: جامع البيان 26/13، وابن كثير 4/160.
[63021]:معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشي الأموي، مؤسس الدولة الأموية في الشام دامت له الخلافة إلى أن بلغ من الشيخوخة فعهد بها إلى ابنه يزيد، توفي 60 هـ. انظر: تاريخ الأمم والملوك الطبري 6/180، والكامل لابن الأثير 4/5 – 13، والأعلام 7/62.
[63022]:مروان بن الحكم أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو عبد الملك خليفة أموي، هو أول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص، وإليه ينسب بنو مروان ودولتهم المروانية، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن غير واحد من الصحابة منهم عمر وعثمان وعلي، وكان يعد في الفقهاء، توفي 65 هـ. انظر: تاريخ الأمم والملوك 7/34-83، والإصابة 3/477، وأسد الغابة 4/368، تهذيب التهذيب 10/91، والكامل لابن الأثير 4/145، والأعلام 7/207.
[63023]:ح : "قاله". وهو تحريف.
[63024]:ع: (فقال يا مروان أيها الناس) وهو تحريف، ورجعت إلى كتاب: رسائل العرب لزكي صفوت، فلم أجد إشارة إلى كتاب: معاوية هذا لمروان ضمن مراسلات معاوية له.
[63025]:ع: "وقال"، هذا خطأ.
[63026]:ح : "طريق" وهو تحريف.
[63027]:ساقط من ع.
[63028]:انظر : البحر المحيط 8/61، والدر المنثور 7/444، ولباب النقول 197.
[63029]:ع: "دعاه": وهو خطأ.
[63030]:انظر: البحر المحيط 8/62.
[63031]:انظر : تفسير القرطبي 16/197.
[63032]:ساقط من ع.
[63033]:ع: "يعد" وهو تحريف.
[63034]:ع : "وقتا" و "أجلا".
[63035]:ع: "يستصرخان".
[63036]:ساقط من ع.
[63037]:ع: "ما هذه".
[63038]:ع: "باطل".
[63039]:ساقط من ع.
[63040]:نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي بالولاء المدني: أحد القراء السبعة المشهورين أصله من أصبهان، اشتهر في المدينة، وانتهت إليه رياسة القراءة فيها، وأقرأ الناس نيفا وسبعين سنة وتوفي بها أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة، عبد الرحمن بن هرمز وأبو جعفر القارئ ويزيد بن رومان وغيرهم، توفي 169 هـ. انظر: تهذيب التهذيب 10/406، وغاية النهاية 2/33، الأعلام 8/5.
[63041]:يعقوب ابن إسحاق بن زيد الحضرمي البصري، أبو محمد، أحد القراء العشرة مولده ووفاته بالبصرة، كان إمامها، ومقرئها، وهو من بيت علم بالعربية والأدب له في القراءات رواية مشهورة أخذ القراءة عرضا عن سلام الطويل ومهدي بن ميمون، سمع الحروف من الكسائي، وسمع من حمزة أيضا، توفي 205 هـ. انظر: غاية النهاية 2/386، والنجوم الزاهرة 2/179، والأعلام 6/195.
[63042]:انظر: كتاب: القطع والائتناف للنحاس 662، والمقصد لتلخيص ما في المرشد 79.
[63043]:ع: "وجب".
[63044]:ع: "للإمام" وهو تحريف.
[63045]:ع: "تموت الإنسان": وهو تحريف.
[63046]:ع : "لأنه قد قال".
[63047]:الأحقاف: 17.