اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِي قَالَ لِوَٰلِدَيۡهِ أُفّٖ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيٓ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِي وَهُمَا يَسۡتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ فَيَقُولُ مَا هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (17)

قوله تعالى : { والذي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا } لما وصف الولد البارَّ بوالديه ، وصف الولد العاقَّ بوالديه ههنا . واعلم أنه قد تقدم الكلام على أُفٍّ{[50951]} . و«لكما » بيان أي التأفيف لكما نحو : «هَيْتَ لَكَ » وهي كلمة كَرَاهَيِة . { أتعدانني أَنْ أُخْرَجَ } كم قبري حياً { وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي } ولم يبعث منهم أحد . قال ابن عباس ، والسدي ، ومجاهد : نزلت في عبد الله . وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام ، وهو يأبى ، وهو قوله : أُفٍّ كما أَحْيوا لي عَبْدَ الله بن جُدْعَان ، وعامرَ بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون . واحتجوا بهذا القول بأنه ( لما{[50952]} ) كاتب معاوية إلى ابن مروان بأن يبايع الناس ليزيد قال عبد الرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم شيئاً نُكراً{[50953]} أتبايعون أبناءكم فقال : ( مروان ) يا أيها الناس هو الذي قال الله فيه : { والذي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا } والصحيح أنها نزلت في كل كافر عاقٍّ لوالديه . قاله الحسن وقتادة{[50954]} . قال الزجاج : قول من قال : إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله : { أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ } فأعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب ، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المؤمنين{[50955]} ، فلا يكون ممّن حقَّت عليهم كلمة العذاب . قال ابن الخطيب : وهذا القول هو الصحيح فإن قالوا : روى أنه لما دعاه أبواه إلى الإسلام ، وأخبراه بالبعث بعد الموت قال : أَتَعِدَانني أَنْ أُخْرَجَ من القبر يعني أبعث{[50956]} بعد الموت «وَقَدْ خلت القرون من قبلي » يعني الأمم الخالية ، فلم يرجعوا منهم عبد الله بن جدعان ، وفلان وفلان . فنقول : قوله : أولئك الذي حق عليهم القول المراد هؤلاء الذين ذكرهم عبد الرحمن من المشركين الذين ماتوا قبله هم الذين حق عليهم القول فالضمير عائد إلى المُشارِ إليهم بقوله : { وَقَدْ خَلَتِ القرون مِن قَبْلِي } لا إلى المشار إليه بقوله : { والذي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا } . هذا جواب الكلبي في دَفْعِ ذلك الدليل ، وهو حسن . وأيضاً روي أن مَرْوَان لما خاطب عبد الرحمن بن أبي بكر بذلك الكلام سمعت عائشة رضي الله عنها ذلك فغضبت وقالت : والله ما هُوَ به ، ولكن الله كفَّر{[50957]} أباك وأنت في صلبه . وإذا ثبت ذلك كان المراد كُلّ ولد اتصف بالصفات المذكورة . ولا حاجة إلى تخصيص اللفظ بشخص معين{[50958]} .

قوله : { أتعدانني } العامة على نوني مكسورتين ، الأولى للرفع{[50959]} والثانية للوقاية وهشام بالإدغام{[50960]} ونافع في رواية بنون واحدة{[50961]} . وهذه شبيهة بقوله : «تَأْمُرُونِّي أَعْبُد » . وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر وعبد الوارث عن أبي عمرو بفتح النون الأولى{[50962]} ، كأنهم فروا من توالي مثلين مكسورين{[50963]} بعدهما ياء .

واقل أبو البقاء : وهي لغة شاذة في فتح نون{[50964]} الاثنين . قال شهاب الدين : إن عنى نون الاثنين في الأسماء نحو قوله :

4453 عَلَى أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقَلَّتْ . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . {[50965]}

فليس هذا منه ، وإن عنى في الفعل فلم يثبت ذلك لُغَةً ، وإنما الفتح هنا لما ذكرت .

قوله : { أَنْ أُخْرَجَ } هو الموعود{[50966]} به ، فيجوز أن نقدر الباء قبل «أن » وأن لا نقدِّرَهَا{[50967]} .

قوله : { وَقَدْ خَلَتِ } جملة حالية ، وكذلك { وَهُمَا يستغيثان الله } أي يَسْأَلاَنِ الله{[50968]} ، واستغاث يتعدى بنفسه تارة ، وبالباء أخرى ، وإن كان ابن مالك زعم أنه متعدٍّ بنفسه ، وعابَ قولَ النحاة : مُسْتَغَاثٌ بِهِ{[50969]} قال شهاب الدين : لكنه لم يرد في القرآن إلا متعدياً بنفسه ، ( كقوله ) : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } [ الأنفال : 9 ] { فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ } [ القصص : 15 ] { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ } [ الكهف : 29 ] . قال ابن الخطيب : معناه يستغيثان الله من كفره وإنكاره ، فلما حذف الجار وصل للفعل ، ويجوز أن يقال : حذف الباء ، لأنه أريد بالاستغاثة الدعاء ، فحذف الجار ، لأنَّ الدعاء لا يَقْتَضِيهِ{[50970]} .

قوله : «وَيْلَكَ » منصوب على المصدر{[50971]} بفعل ملاق له في المعنى دون الاشتقاق ، ومثله : وَيْحَهُ{[50972]} ووَيْسَهُ{[50973]} ، وَوَيْتَهُ{[50974]} . وإما على المفعول به بتقدير ألْزَمَكَ اللهُ وَيْلَكَ{[50975]} ، وعلى كلا التقديرين الجملة معمولة لقول مضمر ، أي يَقُولاَنِ وَيْلَكَ آمِنْ ، ( والقول في{[50976]} محل نصب على الحال أي يستغيثان الله قَائِلِينَ ذلك ، والمعنى يقولان له ويلَكَ آمنْ ) وصدِّقْ بالبْعثِ ، وهو دعاء عليه بالثُّبُورِ والمراد الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الهَلاَك{[50977]} .

قوله : { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } قرأ العامة بكسر إنّ ، استئنافاً ، أو تعليلاً ، وقرأ عمرو بْنُ{[50978]} فَائِدٍ والأعرجُ بفتحها على أنها معمولة «لآمِنْ » على حذف الباء أي آمن بأن وعد الله حق بالبعث {[50979]}«فَيَقُولُ » لهما { مَا هذا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين } .


[50951]:من قوله: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" من الآية 23 من الإسراء.
[50952]:سقط من ب.
[50953]:في الرازي: هرقلية وكذا هي في القرطبي 16/197 وأراد البيعة لأولاد الملوك سنة ملوك الروم، وهرقل: اسم ملك الروم.
[50954]:وانظر الرازي 28/23 والقرطبي المرجع السابق.
[50955]:معاني القرآن وإعرابه 4/443 و444.
[50956]:في ب البعث.
[50957]:في الرازي: لعن.
[50958]:بالمعنى من الرازي 28/23.
[50959]:وهي نون الأفعال الخمسة وهي حرف لا محل له من الإعراب.
[50960]:قراءة شاذة نسبها ابن خالويه في المختصر 139 إلى الحسن وابن عامر في رواية هشام ولم تثبت في المتواتر عن ابن عامر، وهي من الأربع فوق العشر انظر الإتحاف 392.
[50961]:كذا قال أبو حيان في البحر 8/62.
[50962]:شاذة غير متواترة انظر ابن خالويه والبحر السابقين.
[50963]:في ب مكسورتين.
[50964]:التبيان 1156 قال: "وحسنت هنا شيئا لكثرة الكسرات".
[50965]:بعض بيت من الطويل وهو بتمامه: ............................عشية فما هي إلا لمحة وتغيب وهو لحميد بن ثور، والأحوذي بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الذال وتشديد الياء الخفيف في المشي وهو هنا يصف جناحي قطاة يصفهما لخفتهما. واستقل الطائر ارتفع في الهواء، والعشية إما عشية ماء، أو عشية معينة. والشاهد: فتح نون التثنية والقياس كسرها وهي لغة بني أسد. وليس بضرورة. وانظر الأشموني 1/90، وابن يعيش 4/131 والتصريح 1/78.
[50966]:في ب الموجود تحريف.
[50967]:بالمعنى من التبيان 1157.
[50968]:السابق.
[50969]:البحر المحيط 8/62.
[50970]:انظر الرازي 28/24 بالمعنى.
[50971]:قاله النحاس في إعراب القرآن 4/166 وذكره أيضا العكبري في التبيان 1157.
[50972]:الويح كلمة تقال ـ رحمة ـ وكذلك هي كلمة ترحم وتوجع وقد يقال بمعنى المدح والعجب وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، وقيل هي بمعنى الويل (اللسان ويح 4937).
[50973]:وهي كلمة في موضع رأفة واستملاح كقولك للصبي: ويسه ما أصلحه والويح والويس بمنزلة الويل في المعنى. وويس له أي ويل وقيل: ويس تصغير وتحقير (اللسان المرجع السابق 4938 ويس).
[50974]:لم أهتد لتلك الكلمة ولعل التاء إبدال من الحاء أو السين.
[50975]:التبيان المرجع السابق.
[50976]:ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر.
[50977]:قاله الزمخشري في الكشاف 3/522.
[50978]:سبقت ترجمته.
[50979]:قراءة شاذة ذكرها صاحب الكشاف 3/522 و523 والبحر المحيط 8/62.