تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

{ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . }

المفردات :

جاهداك : حرصا على متابعتك لهما في الكفر .

أناب : رجع .

التفسير :

وإن حملك والداك بجهد على أن تشرك بالله ما لا تعلم أنه إله والله تعالى لا شريك له- فلا تطعهما في الشرك ومع هذا صاحبهما بالمعروف والكرم والمروءة والبر مثل القيام بشئونهما من طعام وكسوة وعدم جفائهما وكذلك رعايتهما في المرض والموت وما يتصل بذلك من شؤون الدنيا فهي قصيرة الأمد .

{ واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون . }

واسلك طريق المؤمنين الراشدين الملتزمين ولا تتبع والديك المشركين وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا ثم إن المرجع والمآب إلى الله والجزاء منه تعالى .

قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره . ( الزلزلة : 7-8 ) .

والآية الكريمة نزلت في سعد بن أبي وقاص ورد ذلك في كتب التفسير وأسباب النزول .

قال ابن جرير الطبري : وذكر أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه .

قال سعد لما أسلمت حلفت أمي لا تأكل الطعام ولا تشرب شرابا فناشدتها أول يوم فأبت وصبرت فلما كان اليوم الثاني ناشدتها فأبت فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت فقلت : والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فلما رأت ذلك وعرفت أني لست فاعلا أكلت . ix

***

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ } أي : اجتهد والداك { عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما ، لأن حق اللّه ، مقدم على حق كل أحد ، و " لا طاعة لمخلوق ، في معصية الخالق "

ولم يقل : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما " بل قال : { فَلَا تُطِعْهُمَا } أي : بالشرك ، وأما برهما ، فاستمر عليه ، ولهذا قال : { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } أي : صحبة إحسان إليهما بالمعروف ، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي ، فلا تتبعهما .

{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وهم المؤمنون باللّه ، وملائكته وكتبه ، ورسله ، المستسلمون لربهم ، المنيبون إليه .

واتباع سبيلهم ، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه ، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه ، ثم يتبعها سعي البدن ، فيما يرضي اللّه ، ويقرب منه .

{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } الطائع والعاصي ، والمنيب ، وغيره { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (15)

السادسة- قوله تعالى : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " قد بينا أن هذه الآية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم ، وأن أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل ، كما تقدم في الآية قبلها .

السابعة- قوله تعالى : " وصاحبهما في الدنيا معروفا " نعت لمصدر محذوف ، أي مصاحبا معروفا ، يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا . و " معروفا " أي ما يحسن . والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقير ، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق . وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمت عليه خالتها وقيل أمها من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علّي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : ( نعم ) . وراغبة قيل معناه : عن الإسلام . قال ابن عطية : والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة ، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها . ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسد . وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام .

الثامنة- قوله تعالى : " واتبع سبيل من أناب إلي " وصية لجميع العالم ، كأن المأمور الإنسان . و " أناب " معناه مال ورجع إلى الشيء ، وهذه سبيل الأنبياء والصالحين . وحكى النقاش أن المأمور سعد ، والذي أناب أبو بكر ؛ وقال : إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزبير فقالوا : آمنت ! قال نعم ؛ فنزلت فيه : " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه " [ الزمر : 9 ] فلما سمعها الستة آمنوا ، فأنزل الله تعالى فيهم : " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى " {[12584]} إلى قوله " أولئك الذين هداهم الله " [ الزمر : 17 - 18 ] . قيل : الذي أناب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : ولما أسلم سعد أسلم معه أخواه عامر وعويمر ، فلم يبق منهم مشرك إلا عتبة . ثم توعد عز وجل ببعث من في القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها .


[12584]:راجع ج 15 ص 237 فما بعد. و ص 243 فما بعد.