تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ يَدۡعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡمُسۡرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (12)

المفردات :

وإذا مس الإنسان الضر : وإذا أصابه أي ضرر .

دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما : تضرع إليها وهو مضطجع على جنبه أو دعانا قاعدا أو قائما ، طالبا إزالته عنه .

مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه : أي : مضى واستمر على ما كان عليه قبل البلاء من التكذيب ، كأنه يلجأ إلينا لإزالة ما أصابه .

زين للمسرفين ما كانوا يعملون : حسن للمتجاوزين الحد في ارتكاب القبائح ما عملوه منها .

التفسير :

12 { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا . . . }

من طبيعة الإنسان أن يلجأ إلى الله تعالى في البأساء ، وأن ينسى ذلك في النعماء ؛ فمن الناس من إذا نزل به الضر ؛ فزع إلى ربه داعيا راجيا .

قال تعالى : { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا } . ( الإسراء : 83 ) .

قال سبحانه : { وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض } . ( فصلت : 51 ) .

والآية مع كونها تتناول الكافر تناولا أوليا ، فإنها تشمل كذلك المؤمن العاصي ، فهو في حالة المرض والفقر والخطر يدعو ربه ، صارخا مستغيثا متبتلا راجيا فضله ، متبتلا بذكره ، طارقا باب مولاه بالليل والنهار ، في النوم ، واليقظة والجلوس والقعود ، وفي جميع الحالات .

{ دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما } .

أي : دعا الله تعالى حالة كونه مضطجعا لجنبه أو قاعدا أو قائما وفي جميع أحواله ؛ لأن فائدة الترديد في القعود والقيام والرقاد ؛ تعميم الدعاء لجميع الأحوال .

قال الزمخشري : معناه : أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء ؛ حتى يزول عنه الضر ، فهو يدعونا في حالاته كلها ، سواء أكان منبطحا عاجزا عن النهوض ، أم كان قاعدا لا يقدر على القيام ، أم كان قائما لا يطيق المشي ، ويجوز أن يراد : أن من المضرورين من هو أشد حالا ، وهو صاحب الفراش ، ومنهم من هو أخف وهو القادر على القعود ، ومنهم المستطيع للقيام ، وكلهم لا يستغنون عن الدعاء ، واستدفاع البلاء ؛ لأن الإنسان للجنس . viii

{ فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } .

فلما كشف الله كربه ، وأزاح عنه الضر والبلاء ؛ اندفع في غمار الحياة ، ناسيا ما كان فيه من ضر وبلاء ، غارقا في بحار الغفلة كأنه لم يكن متلهفا ، متبتلا ، راجيا ، دعيا ، مستغيثا في وقت البلاء ، كثير الدعاء والرجاء .

قال الشوكاني : وهذه الحالة تتفق لكثير من المسلمين ؛ تلين ألسنتهم بالدعاء عند نزول ما يكرهون بهم ، فإذا كشفه الله غفلوا ، وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة على إجابة دعائهم ، ورفع الضر ودفع المكروه . ix

{ كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } .

زين لهم الإعراض عن الدعاء ، والغفلة عن الشكر ، والاشتغال بالشهوات ، والجدير بالمسلمين أن يلجئوا إلى الله في السراء أيضا ؛ فإن ذلك أرجى للإجابة في الضراء .

روى البخاري في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تعرف إلى الله في الرخاء ؛ يعرفك في الشدة ) .