ثم بيّن الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشرّ ، ولو أصابهم ما طلبوه لأظهروا العجز والجزع ، فقال : { وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضر } أي : هذا الجنس الصادق على كل ما يحصل التضرر به { دَعَانَا لِجَنبِهِ } اللام للوقت ، كقوله : جئته لشهر كذا ، أو في محل نصب على الحال بدلالة عطف قاعداً أو قائماً عليه ، وتكون اللام بمعنى على : أي دعانا مضطجعاً { أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } وكأنه قال : دعانا في جميع الأحوال المذكورة وغيرها ، وخصّ المذكورة بالذكر ؛ لأنها الغالب على الإنسان ، وما عداها نادر كالركوع والسجود ، ويجوز أن يراد أنه يدعو الله حال كونه مضطجعاً غير قادر على القعود ، وقاعداً غير قادر على القيام ، وقائماً غير قادر على المشي ، والأوّل : أولى .
قال الزجاج : إن تعديل أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال المضرّة ، لأنه إذا كان داعياً على الدوام ، ثم نسي في وقت الرخاء كان أعجب .
قوله : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَمْ يَدْعُنَا إلى ضُرّ مَسَّهُ } أي : فلما كشفنا عنه ضرّه الذي مسه ، كما تفيده الفاء ، مضى على طريقته التي كان عليها قبل أن يمسه الضرّ ، ونسي حالة الجهد والبلاء ، أو مضى عن موقف الدعاء والتضرّع ، لا يرجع إليه ؛ كأنه لا عهد له به ، كأنه لم يدعنا عند أن مسه الضرّ إلى كشف ذلك الضرّ الذي مسه . وقيل معنى { مَرَّ } استمرّ على كفره ، ولم يشكر ، ولم يتعظ . قال الأخفش : «أن » في { كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا } هي المخففة من الثقيلة ، والمعنى : كأنه انتهى . والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال ، وهذه الحالة التي ذكرها الله سبحانه للداعي لا تختص بأهل الكفر ، بل تتفق لكثير من المسلمين ، تلين ألسنهم بالدعاء وقلبهم بالخشوع والتذلل عند نزول ما يكرهون بهم . فإذا كشفه الله عنهم غفلوا عن الدعاء والتضرّع ، وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة التي أنعم الله بها عليهم ، من إجابة دعائهم ورفع ما نزل بهم من الضرّ ، ودفع ما أصابهم من المكروه . وهذا مما يدلّ على أن الآية تعمّ المسلم والكافر ، كما يشعر به لفظ الناس ، ولفظ الإنسان ، اللهم أوزعنا شكر نعمك ، وأذكرنا الأحوال التي مننت علينا فيها بإجابة الدعاء ، حتى نستكثر من الشكر الذي لا نطيق سواه ، ولا نقدر على غيره ، وما أغناك عنه وأحوجنا إليه { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } . والإشارة بقوله : { كذلك زُيّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إلى مصدر الفعل المذكور بعده كما مرّ غير مرة ، أي : مثل ذلك التزيين العجيب زين للمسرفين عملهم . والمسرف في اللغة : هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس ، ومحل كذلك النصب على المصدرية . والتزيين هو : إما من جهة الله تعالى على طريقة التحلية وعدم اللطف بهم ، أو من طريق الشيطان بالوسوسة ، أو من طريق النفس الأمارة بالسوء . والمعنى : أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء ، والغفلة عن الشكر ، والاشتغال بالشهوات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.