ولما بين تعالى أن دأبهم استعجالهم بالخير ، وكان منه استكشاف الضر ، بينَ أن حالهم عنده الاعتراف ، وشكرهم على النجاة منه الإنكار فدأبهم الطغيان والعمه{[37690]} ، وذلك في غاية المنافاة لما يدعونه من رجاحة العقول وأصالة الآراء وسلامة الطباع ، فالحاصل أن الإنسان عند البلاء غير صابر ، وعند الرجاء غير شاكر ، فكأنه قيل : فإذا مس الإنسان منهم الخير كان في غفلة بالفرح والأشر والمرح { وإذا مسَّ الإنسان } منهم { الضر } وإن كان من جهة يتوقعها لطغيان هو فيه ولا ينزع عنه خوفاً مما يتوقعه من حلول الضر لشدة طغيانه وجهله{[37691]} { دعانا } مخلصاً معترفاً بحقنا عالماً بما لنا من كمال العظمة عاملاً بذلك معرضاً عما ادعاه شريكاً لنا كائناً { لجنبه } أي مضطجعاً حال إرادته للراحة ، وكأنه عبر باللام إشارة إلى أن ذلك أسر{[37692]} أحواله إليه { أو قاعداً } أي متوسطاً{[37693]} في أحواله{[37694]} { أو قآئماً } أي في غاية السعي في مهماته ، لا يشغله عن ذلك شيء في حال من الأحوال ، بل يكون ظرف المس بالضر ظرف الدعاء بالكشف{[37695]} ، ويجوز أن يكون عبر بالأحوال الثلاثة عن مراتب الضر ، وقال : لجنبه ، إشارة إلى استحكام الضر وغلبته بحيث لا يستطيع جلوساً كما يقال : فلان لما به ، وأشار بالفاء إلى قرب زمن الكشف فقال : { فلما كشفنا } أي بما لنا من العظمة { عنه ضره } أي{[37696]} الذي دعانا لأجله { مرّ } أي في كل{[37697]} ما يريده لاهياً عنا بكل اعتبار { كأن } أي كأنه { لم يدعنآ } أي على ما كان يعترف به وقت الدعاء من عظمتنا ؛ ولما كان المدعو يأتي إلى الداعي فيعمل ما دعاه لأجله قال : { إلى } أي كشف { ضر مسه } أي كأن لم يكن له بنا معرفة أصلاً فضلاً عن أن يعترف بأنا نحن كشفنا عنه ضره ، فهذه الآية{[37698]} في بيان ضعف الإنسان وسوء عبوديته ، و{[37699]} التي قبلها في بيان قدرة الله وحسن ربوبيته ؛ والمسُ : لقاء من غير فصل ؛ والدعاء : طلب الفعل من القادر عليه ؛ والضر : إيجاب الألم بفعله أو السبب المؤدي إليه .
ولما كان هذا من فعل الإنسان من أعجب العجب . كان كأنه قيل :لم يفعل ذلك ؟ فقيل : لما{[37700]} يزين له من {[37701]}الأمور التي يقع{[37702]} بها الاستدراج{[37703]} لإسرافه . وهذا دأبنا أبداً { كذلك } أي مثل هذا التزيين العظيم الرتبة ؛ ولما كان الضار مطلق التزيين ، بنى للمفعول قوله : { زين للمسرفين } أي كلهم العريقين{[37704]} في هذا الوصف { ما كانوا } أي بجبلاتهم { يعملون } أي يقبلون عليه على سبيل التجديد والاستمرار من المعصية بالكفر وغيره مع ظهور فساده ووضوح ضرره ؛ والإسراف : الإكثار من الخروج عن العدل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.