السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِيهِۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (191)

أمروا به مطلقاً من غير تقييد بشرط ولا زمان بقوله تعالى : { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أي : وجدتموهم في حل أو حرم ، وقرأ أبو عمرو بإدغام الثاء في الثاء بخلاف عنه ، حيث جاء { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } أي : من مكة ، وقد فعل ذلك بمن لم يسلم عام الفتح { والفتنة } أي : الشرك منهم { أشدّ } أي : أعظم { من القتل } لهم في الحرم أو الإحرام الذي استعظمتموه ، أو المحنة التي يفتتن بها الإنسان : كالإخراج من الوطن أصعب من القتل لدوام تعبها وتألم النفس بها . قيل لبعض الحكماء : ما أشدّ من الموت ؟ قال : الذي يتمنى فيه الموت . وقال القائل :

لقتلٌ بحد السيف أهون موقعاً *** على النفس من قتل بحدّ فراق

وقيل : الفتنة عذاب الآخرة كما قال تعالى : { ذوقوا فتنتكم } ( الذاريات ، 14 ) .

{ ولا تقاتلوهم } أي : لا تبدؤوهم { عند المسجد الحرام } أي : في الحرم { حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم } فيه { فاقتلوهم } فيه فإنهم هم الذين هتكوا حرمته ، وقرأ حمزة والكسائي :{ ولا تقتلوهم حتى يقتلوكم } بفتح التاء الفوقية من تقتلوهم والياء من يقتلوكم وسكون القاف ولا ألف بعد القاف وضم التاء فيهما ، والباقون بفتح التاء والياء وفتح القاف وبعد القاف ألف وكسر التاء ، وأمّا { فإن قاتلوكم } فحذف حمزة والكسائي الألف وأثبتها الباقون ، والمعنى على قراءة حمزة والكسائي : حتى يقتلوا بعضكم ، جعل وقوع القتل في بعضهم كوقوعه فيهم كقول بعض العرب : قتلنا بني أسد أي : بعضهم ، وقال بعضهم : وإن تقتلونا نقتلكم .

{ كذلك } أي : القتل والإخراج { جزاء الكافرين } أي : يفعل بهم مثل ما فعلوا .