السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِلۡفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحۡصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسۡتَطِيعُونَ ضَرۡبٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ يَحۡسَبُهُمُ ٱلۡجَاهِلُ أَغۡنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعۡرِفُهُم بِسِيمَٰهُمۡ لَا يَسۡـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗاۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ} (273)

وقوله تعالى :

{ للفقراء } خبر مبتدأ محذوف أي : صدقاتكم للفقراء أو متعلق بفعل مقدر كاجعلوا ما تنفقون للفقراء { الذين أحصروا في سبيل الله } أي : حبسوا أنفسهم على الجهاد وهم فقراء المهاجرين ، كانوا نحواً من أربعمائة لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر ، كانوا يسكنون صفّة المسجد ، يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة ، وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم المشهورون بأصحاب الصّفّة ، فحث الله عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى .

{ لا يستطيعون ضرباً } أي : سفراً { في الأرض } للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد { يحسبهم الجاهل } بحالهم { أغنياء من التعفف } أي : لأجل تعففهم عن السؤال .

وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين ، والباقون بكسرها { تعرفهم } أيها المخاطب { بسيماهم } أي : بعلامتهم من التخشع والتواضع ، وصفرة الوجوه ، ورثاثة الحالة { لا يسألون الناس } شيئاً فيلحفون { إلحافاً } أي : لا سؤال لهم أصلاً فلا يقع منهم إلحاف ومثل ذلك قول الشاعر :

لا يفزع الأرنب أهوالها *** ولا ترى الضب بها ينجحر

أي : ليس فيها أرنب فيفزع لهولها ولا ضب فينجحر ، وليس المعنى أنه ينفي الفزع عن الأرنب والانجحار عن الضب والإلحاف الإلحاح ، وهو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه من قولهم : لحفني من فضل لحافه ، أي : أعطاني من فضل ما عنده وقيل : إنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحفوا . قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب الحييّ الحليم المتعفف ويبغض البذي السآل الملحف ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيذهب فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أشياءهم أعطوه أو منعوه ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خدوش ) قيل : يا رسول الله وما يغنيه ؟ قال : ( خمسون درهماً أو قيمتها ) { وما ينفقوا من خير } أي : مال { فإنّ الله به عليم } فيجازيكم وفي هذا ترغيب في الإنفاق .