السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَوۡمَ يَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضٖ وَبَلَغۡنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيٓ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٞ} (128)

{ و } اذكر يا محمد { يوم نحشرهم } أي : الخلق { جميعاً } أي : لا نترك منهم أحداً ، وقرأ حفص بالياء والباقون بالنون ، وقوله تعالى : { يا معشر الجنّ } فيه حذف تقديره ويقال لهم : يا معشر الجنّ ، والمعشر الجماعة والمراد من الجنّ الشياطين { قد استكثرتم من الإنس } أي : من إضلالهم وإغوائهم حتى صار أكثرهم أتباعكم { وقال أولياؤهم } أي : الذين أطاعوهم { من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض } أي : انتفع الإنس بتزيين الجنّ لهم الشهوات والجنّ بطاعة الإنس لهم { وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا } أي : إنّ ذلك الاستمتاع كان إلى أجل معين ووقت محدود ثم ذهب وبقيت الحسرة والندامة قال الحسن : الأجل الموت ، وقيل : هو وقت البعث للحساب في القيامة { قال } الله تعالى على لسان الملائكة لهؤلاء الذين استمتع بعضهم ببعض من الجنّ والإنس { النار مثواكم } أي : مأواكم { خالدين فيها } أي : إلى ما لا آخر له فإنّ الجزاء من جنس العمل { إلا ما شاء الله } أي : من الأوقات التي ينقلون فيها من النار إلى الزمهرير .

فقد روي أنهم يدخلون وادياً فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض فيتعاوون ويطلبون الردّ إلى الجحيم ، وقيل : إلا ما شاء الله قبل الدخول قدر مدّة بعثهم ووقوفهم للحساب وقال ابن عباس : الاستثناء يرجع إلى قوم سبق في علم الله أنهم يسلمون فيخرجون من النار ، قال البغوي : فما بمعنى من على هذا التأويل { إنّ ربك حكيم } في صنعه { عليم } بعواقب أمور خلقه وما هم صائرون إليه .