السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَقُصُّونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِي وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ شَهِدۡنَا عَلَىٰٓ أَنفُسِنَاۖ وَغَرَّتۡهُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰفِرِينَ} (130)

{ يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسل منكم } أي : من مجموعكم وهم الإنس إذ الرسل منهم خاصة ولكن لما جمع الجنّ مع الإنس في الخطاب صح ذلك ونظيره قوله تعالى : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ( الرحمن ، 22 )

فإنّ ذلك يخرج من الملح دون العذب أو إن رسل الجنّ نذرهم الذين يسمعون كلام الرسول فيبلغون قومهم كما قال تعالى : { وإذ صرفنا إليك نفراً من الجنّ } ( الأحقاف ، 29 ) .

الآية وتعلق بظاهر الآية قوم فقالوا : بعث إلى كل من الثقلين رسل من جنسهم { يقصون عليكم آياتي } أي : يخبرون بما أوحي إليهم من آياتي الدالة على توحيدي وتصديق رسلي { وينذرونكم لقاء يومكم هذا } أي : ويحذرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا وهو يوم القيامة { قالوا شهدنا على أنفسنا } أي : اعترفوا بأنّ الرسل قد أتتهم وبلغتهم رسالات ربهم وأنذرتهم لقاء يومهم هذا وإنهم كذبوا الرسل ولم يؤمنوا بهم وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر قال الله تعالى : { وغرّتهم الحياة الدنيا } أي : إنما كان ذلك بسبب أنهم غرّتهم الحياة الدنيا ومالوا إليها { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } أي : في الدنيا .

فإن قيل : كيف أقروا على أنفسهم بالكفر في هذه الآية وجحدوا في آية أخرى وهي قولهم : { والله ربنا ما كنا مشركين } ( الأنعام ، 23 ) ؟ أجيب : بتفاوت الأحوال والمواطن في ذلك اليوم المتطاول فيقرون في بعضها ويجحدون في بعض آخر .

فإن قيل : لم كرّر شهادتهم على أنفسهم ؟ أجيب : بأن الأولى حكاية لقولهم : كيف يقولون وكيف يعترفون ؟ والثانية ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة ، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذيراً للسامعين عن مثل حالهم .