الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، وهي تسع وعشرون آية ، وخمسمائة وستّون كلمة ، وألفان وأربعمائة وثمانية وثلاثون حرفاً

أخبرنا عبيدالله بن محمّد الزاهد بقراءتي عليه ، حدّثنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا أبو الأشعث ، حدّثنا أبو المعتمر ، قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة ، عن أنس ، قال : لمّا رجعنا من غزوة الحديبية ، قد حيل بيننا وبين نسكنا ، فنحن بين الحزن والكآبة ، فأنزل الله تعالى عليه ) إنّا فتحنا لك فتحاً مبيِناً ( الآية كلّها .

فقال رسول الله : ( لقد نزلت عليَّ آية هي أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعاً ) .

أخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل القهندري بقراءتي عليه ، أخبرنا مكي بن عبدان ، حدّثنا محمّد بن يحيى ، قال : وفيما قرأت على عبدالله بن نافع وحدّثني مطرف ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطّاب ح يسير معه ليلاً ، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثمّ سأله فلم يجبه ، قال عمر : فحرّكت بعيري حتّى تقدّمت أمام الناس ، وخشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن ، فجئت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : ( لقد أُنزلت عليَّ الليلة سورة لهي أحبُّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس ) ، ثمّ قرأ ) إِنَّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ( .

أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه الثقفي ، حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي ، حدّثنا حمزة بن الحسين بن عمر البغدادي ، حدّثنا محمّد بن عبدالملك ، قال : سمعت يزيد بن هارون يقول : سمعت المسعودي يذكر ، قال : بلغني أنّ من قرأ في أوّل ليلة من رمضان ) إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ( في التطوّع حفظ ذلك العام .

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أخبرنا عبيد الله بن محمّد الزاهد ، أخبرنا أبو العبّاس السرّاج ، حدّثنا هنّاد بن السري ، حدّثنا يونس بن بكير ، حدّثنا علي بن عبد الله التيمي يعني أبا جعفر الرازي ، عن قتادة ، عن أنس { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال : فتح مكّة ، وقال مجاهد والعوفي : فتح خيبر ، وقال الآخرون : فتح الحديبية .

روى الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال : ما كنّا نعدّ فتح مكّة إلاّ يوم الحديبية .

وروى إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكّة ، وقد كان فتح مكّة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة . والحديبية بئر .

أخبرنا عقيل بن محمّد الفقيه أنّ أبا الفرج القاضي البغدادي ، أخبرهم ، عن محمّد بن جرير ، حدّثنا موسى بن سهل الرملي ، حدّثنا محمّد بن عيسى ، حدّثنا مجمع بن يعقوب الأنصاري ، قال : سمعت أبي يحدِّث ، عن عمّه عبد الرّحمن بن يزيد ، عن عمّه ، مجمع بن حارثة الأنصاري وكان أحد القرّاء الذين قرأوا القرآن قال : " شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا انصرفنا عنها ، إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض النّاس لبعض : ما بال النّاس ؟ قالوا : أُوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فخرجنا نوجف ، فوجدنا النبي ( عليه السلام ) واقفاً على راحلته عند كراع العميم ، فلمّا اجتمع إليه الناس ، قرأ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } . فقال عمر : أو فتح هو يا رسول الله ؟ قال : " نعم والّذي نفسي بيده إنّه لفتح " . فقسم صلى الله عليه وسلم الخمس بخيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل فيها أحد إلاّ من شهد الحديبية " .

أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه العدل ، حدّثنا أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن شنبه ، حدّثنا عبيدالله بن أحمد الكسائي ، حدّثنا الحارث بن عبد الله ، أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي في قوله : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخّر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محلّه ، وظهرت الروم على فارس ، وفرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس .

وقال مقاتل بن حيان : يسّرنا لك يُسراً بيّناً ، وقال مقاتل بن سليمان : لمّا نزل قوله :

{ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } [ الأحقاف : 9 ] فرح بذلك المشركون ، والمنافقون ، وقالوا : كيف نتّبع رجلاً لا يدري ما يفعل به وبأصحابه ، ما أمرنا وأمره إلاّ واحد ، فأنزل الله تعالى بعدما رجع من الحديبية { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } أي قضينا لك قضاءً بيّناً .